شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٣٢٩
و (الكون) في اصطلاح هذه الطائفة، عبارة عن وجود العالم، من حيث هو عالم، لا من حيث إنه حق، وإن كان مرادفا للوجود المطلق، عند أهل النظر. و هو هنا بمعنى المكون. أي، شاء أن يرى أعيان أسمائه أو عين ذاته في موجود جامع لجميع حقائق العالم، مفرداتها ومركباتها، بحسب مرتبته يحصر ذلك الموجود أمر الأسماء والصفات من مقتضياتها وأفعالها وخواصها ولوازمها كلها.
و (اللام) في قوله (الأمر) للاستغراق، أي جميع الأمور الإلهية، أو عوض من الإضافة. و (الأمر) بمعنى الفعل. أو يحصر الشأن الإلهي في مرتبته (7) فيكون بمعنى الشأن، وهو أعم من الفعل لأنه قد يكون حالا من الأحوال من غير فعل. أو يحصر ما تعلق به الأمر الذي هو قوله: (كن). فحينئذ يكون مجازا من قبيل إطلاق الملزوم وإرادة اللازم.
و (الكون الجامع) هو الإنسان الكامل المسمى ب‍ (آدم). وغيره ليس له هذه القابلية والاستعداد. والسر في هذه المشيئة والحصر، أن الحق تعالى كان يشاهد ذاته وكمالاته الذاتية المسماة ب‍ (الأسماء)، ومظاهرها كلها في ذاته بذاته في عين أوليته وباطنيته مجموعة مندمجة بعضها في بعض، فأراد أن يشاهدها في حضرة آخريته وظاهريته كذلك، ليطابق الأول الآخر والظاهر والباطن، و يرجع كل إلى أصله (8)

(7) - قال مؤيد الدين: (المرتبة منحصرة بين الحق الواجب والخلق الممكن معمورة بها، فالحق أبدا حق، والخلق أبدا خلق، والوجود في مرتبه الحقية حق وفي الخلقية خلق. (شرح الجندي، ط دانشگاه مشهد، ص 65) (8) - اعلم، أن كل شئ طالب لكماله، وكمال كل شئ هو أصله، فكل شئ طالب لأصله و يرجع إليه. والشرط في تحقق الرجوع هو تطابق الأول والأخر والباطن والظاهر والأصل والفرع والكمال والنقصان. ومعنى التطابق هو كون الفرع وهو الآخر والظاهر جامعا لجميع الأعيان والأسماء والصفات ومندمجا فيه الكثرات، كما أن الأصل يكون كذلك، فإذا صار كذا، كان مطابقا. ومن يكون كذلك، لا يكون إلا الكون الجامع والحقيقة الإنسانية، فهو باب الأبواب. فلا بد لكل طالب للكمال أن يدخل هذا الباب ويسلك هذا الصراط حتى يصل إلى كماله وتحقق له الرجوع إلى أصله. فالحقيقة المحمدية، صلى الله عليه وآله، بذاتها بلا توسط ترجع إلى أصلها. ومن الأولياء من يكون عين هذه الحقيقة كعلى، عليه السلام، ومن شاء الله من العترة، ومنهم من يكون من أتباعه وشيعته كسائر الأنبياء والأولياء. والأشياء كلها بها. وبعبارة أخرى، ما سوى الله بواسطة هذه الحقيقة ترجع إلى أصلها، فلا بد لها من الانقياد والطاعة لهذه الحقيقة. (للأستاذ العارف ميرزا محمد رضا دام ظله)
(٣٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 324 325 326 327 328 329 330 331 332 333 334 ... » »»