شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٣٣٧
المقدس) عبارة عن التجليات الأسمائية الموجبة لظهور ما يقتضيه استعدادات تلك الأعيان في الخارج. ف‍ (الفيض المقدس) مترتب على (الفيض الأقدس). و إذا علمت هذا، علمت أن لا منافاة بين هذا القول وبين قوله في (الفص العزيري) وغيره: (إن علم الله في الأشياء على ما أعطته المعلومات بما هي عليه من نفسها). وقوله: (فلله الحجة البالغة). وقوله: (فالمحكوم عليه حاكم على الحاكم أن يحكم عليه بذلك). وقوله، صلى الله عليه وسلم: (من وجد خيرا، فليحمد الله. ومن وجد دون ذلك، فلا يلومن إلا نفسه).
قوله: (فالأمر كله منه، ابتداؤه (23) وانتهاؤه، وإليه يرجع الأمر كله، كما ابتدأ منه) جواب شرط مقدر. أي، إذا كان القابل ما يترتب عليه من الاستعدادات و الكمالات والعلوم والمعارف وغيرها فائضا من الحق تعالى حاصلا منه، فالأمر، أي الشأن بحسب الإيجاد والتكميل، كله منه ابتداء وانتهاء. والمراد ب‍ (الأمر) المأمور بالوجود بقول (كن). كما قال: (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون). وكما كان هو (أولا) ومبدء لكل شئ، كذلك كان (آخرا) ومرجعا لكل شئ. قال تعالى: (وإليه يرجع الأمر كله). أي، ما حصل بالأمر. وهذا الرجوع إنما يتحقق عند القيامة الكبرى بفناء الأفعال والصفات والذات في أفعاله وصفاته وذاته الموجب لرفع الإثنينية وظهور حكم الأحدية. هذا إن جعلنا (وإليه يرجع الأمر كله) تكرارا مؤكدا للأول. وإن حملناه على التجليات الفائضة بالفيض المقدس كل حين، فنقول أن الحق يتجلى بحكم (كل يوم هو في شأن). كل لحظة، بل عند كل آن، لعباده، فينزل الأمر الإلهي من الحضرة الأحدية، ثم الواحدية إلى المرتبة العقلية الروحية، ثم اللوحية، ثم الطبيعة

(23) - قوله: (منه ابتداؤه). أي، بحسب فيضه الأقدس وتجليه بصور الأعيان الثابتة في العلم، ومنه (انتهاؤه) أيضا بحسب فيضه المقدس وتجليه بصور الأعيان الموجودة في العين، وإليه يرجع الأمر كله بالفناء فيه آخرا كما ابتدء منه عند الوجود عن عدم أولا.
(جامى)
(٣٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 332 333 334 335 336 337 338 339 340 341 342 ... » »»