شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٣٣٩
مميتا إياها مفنيا ذاته في ذاته تعالى، جهولا لغيره، ناسيا لما سواه نافيا لما عداه بقوله:
(لا اله إلا الله) (25) فالأرواح المجردة وغيرهم وإن كانوا عالمين بالأشياء المنتقشة فيهم الصادرة عن الحق بواسطتهم، لكنهم لم يعلموا حقائقها وأعيانها الثابتة كما هي، بل صورها ولوازمها، (26) ولذلك أنبأهم آدم بأسمائهم عند عجزهم عن الإنباء واعترافهم بقولهم: (لا علم لنا إلا ما علمتنا). وإليه الإشارة بقوله تعالى: (وما منا إلا له مقام معلوم). أي، لا نتعدى طورنا. كما قال جبرئيل، عليه السلام: (لو دنوت أنملة لاحترقت).
قوله: (وكانت الملائكة من بعض قوى تلك الصورة (27) التي هي صورة العالم المعبر عنه في اصطلاح القوم بالإنسان الكبير) عطف على قوله: (فكان آدم). و المراد ب‍ (الملائكة) هنا غير أهل الجبروت والنفوس المجردة، لذلك قال: (من بعض قوى تلك الصورة) إذ أنواع الروحانيات متكثرة: منهم أهل الجبروت، كالعقل الأول والملائكة المهيمة والعقول السماوية والعنصرية البسيطة والمركبة التي هي المولدات الثلاث على اختلاف طبقاتها وصنوفها ودرجاتها، ومنهم أهل

(25) - إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال بإيداع حقيقة الهوية عندها واحتجابها بالتعينات بها، فأبين أن يحملنها بأن تظهر عليهن مع عظم أجرامها لعدم استعدادها لقبولها، وأشفقن منها لعظمها عن أقدارها وضعفها عن حملها وقبولها، وحملها الإنسان لقوة استعداده واقتداره على حملها، فانتحلها لنفسه بإضافتها لله، إنه كان ظلوما بمنعه حق الله حين ظهر بنفسه، وانتحلها جهولا لا يعرفها لاحتجابه بأمانية عنها، لأن الأمانة التي هي مقام الولاية الكلية، مبدأ جميع الأمانات ولها أصل ثابت وفروع وأغصان. (ج) (26) - لأن مقام الأعيان من جهة ثبوتها في الحضرة العلمية متقدمة من حيث النشأة على الأقلام و الألواح ولكن فيها أظلالها وتنزلاتها ولذا جاهلة وعالمة بالأعيان. وإن البالغ إلى الواحدية من جهة ولوجها في الأعيان، ترى الأعيان بالتفصيل في وجوده. (ج) (27) - لما انجر كلامه إلى أن آدم روح صورة العالم، أراد أن يبين نسبة الملائكة القادحين في خلافته إلى صورة العالم ومنشأ مجموعيتهم وإدراك كماله، ليكون توطئة للتنبيه على خطائهم في ذلك القدح. (جامى)
(٣٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 334 335 336 337 338 339 340 341 342 343 344 ... » »»