تكن تظهر للرائي بلا وجود هذا المحل ولا بقابلة له. ولما كان الرائي ههنا هو الحق، عبر عن التقابل بالتجلي. فضمير (تجليه) للحق، وضمير (له) للمحل. وقرأ بعضهم: (ولا تجلية) بالتاء على وزن تفعلة. أي، من غير وجود هذا المحل ومن غير تجليته للمحل من الجلاء.
قوله: (وقد كان (14) الحق أوجد (15) العالم كله وجود شبح مسوى لا روح فيه، (16) فكان) أي العالم (كمرآة غير مجلوة. ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى محلا إلا و لا بد أن يقبل روحا إلهيا عبر عنه بالنفخ فيه، (17) وما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال). إعتراض وقع بين الشرط والجزاء، على أن قوله: (فاقتضى) جواب (لما). (الواو) للحال.
وقوله: (وجود شبح) صفة مصدر محذوف. أي، أعطى وجودا مثل وجود شبح، ومعناه: أن الحق تعالى قد كان أوجد الأعيان الثابتة التي للعالم الكبير دون الصغير الإنساني بالوجود العيني مفصلا كالموجود الذي لا روح فيه، والمرآة التي لا جلاء لها. وكان من شأن الحق وحكمة الإلهي وسنته أنه ما أوجد شيئا و سواه إلا ولا بد أن يكون ذلك الموجود قابلا للروح الإلهي، ليكون به حياته و يترتب عليه كمالاته وتظهر به الربوبية فيه، وذلك القبول هو المعبر ب (النفخ) فيه. قال تعالى، في آدم، عليه السلام: (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين). فنفخه تعالى إعطاؤه القابلية والاستعداد.
وقوله: (وما هو) أي، ليس ذلك (النفخ) إلا حصول الاستعداد من الصورة المسواة، أي، من ذلك الموجود لقبول الفيض المقدس الذي هو التجلي الدائم الحاصل عليه وعلى غيره لم يزل ولا يزال، إذ لو فرض انقطاعه آنا واحدا