الحق تعالى من حيث أسمائه الحسنى أوجد العالم، وبين العلة الغائية من إيجاد العالم الإنساني، وهي رؤيته تعالى ذاته بذاته في مرآة عين جامعة إنسانية من مرايا الأعيان (3) كما قال: (كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فتحببت إليهم بالنعم، فعرفوني). فهذا القول كتمهيد أصل يترتب عليه ظهور الحكم الكلية من الأسماء الإلهية في مظاهرها.
واستعمل (لما شاء) مجازا، إذ هو مشعر بحصول المشية بعد أن لم تكن، و ليس كذلك، لكونها أزلية وأبدية. وجواب (لما) محذوف. تقديره: لما شاء الحق أن يرى عينه في كون جامع يحصر الأمر كله، لكونه متصفا بالوجود ويظهر به سره، أوجد آدم، عليه السلام. أو يكون قوله: (فاقتضى الأمر) جواب (لما) و دخول الفاء في الجواب للاعتراض الواقع بين الشرط والجزاء وهو قوله: (و قد كان الحق أوجد العالم)... والأول أظهر. ومشيته تعالى عبارة عن تجليه الذاتي والعناية السابقة لإيجاد المعدوم، أو إعدام الموجود. وإرادته عبارة عن تجليه لإيجاد المعدوم. فالمشية أعم من الإرادة. ومن تتبع مواضع استعمالات (المشية) و (الإرادة) في القرآن يعلم ذلك، وإن كان بحسب اللغة يستعمل كل منهما مقام الآخر، إذ لا فرق بينهما فيها (4)