شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٣٢٦
الحق تعالى من حيث أسمائه الحسنى أوجد العالم، وبين العلة الغائية من إيجاد العالم الإنساني، وهي رؤيته تعالى ذاته بذاته في مرآة عين جامعة إنسانية من مرايا الأعيان (3) كما قال: (كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فتحببت إليهم بالنعم، فعرفوني). فهذا القول كتمهيد أصل يترتب عليه ظهور الحكم الكلية من الأسماء الإلهية في مظاهرها.
واستعمل (لما شاء) مجازا، إذ هو مشعر بحصول المشية بعد أن لم تكن، و ليس كذلك، لكونها أزلية وأبدية. وجواب (لما) محذوف. تقديره: لما شاء الحق أن يرى عينه في كون جامع يحصر الأمر كله، لكونه متصفا بالوجود ويظهر به سره، أوجد آدم، عليه السلام. أو يكون قوله: (فاقتضى الأمر) جواب (لما) و دخول الفاء في الجواب للاعتراض الواقع بين الشرط والجزاء وهو قوله: (و قد كان الحق أوجد العالم)... والأول أظهر. ومشيته تعالى عبارة عن تجليه الذاتي والعناية السابقة لإيجاد المعدوم، أو إعدام الموجود. وإرادته عبارة عن تجليه لإيجاد المعدوم. فالمشية أعم من الإرادة. ومن تتبع مواضع استعمالات (المشية) و (الإرادة) في القرآن يعلم ذلك، وإن كان بحسب اللغة يستعمل كل منهما مقام الآخر، إذ لا فرق بينهما فيها (4)

(3) - رؤية الحق ذاته بذاته في المرآة، معناها رؤية ذاته من حيث التجلي والظهور، لا من حيث اللا بشرطية الإطلاقية التي لا اسم له ولا رسم. (ج) (4) - في جامع الكافي باب (القدر) عن يونس بن عبد الرحمان قال: (قال لي أبو الحسن الرضا، عليه السلام: (يا يونس تعلم ما المشية؟) قلت: (لا) قال: (هي الذكر الأول. فتعلم ما الإرادة؟) قلت: (لا) قال: (هي العزيمة على ما يشاء). روى عنهم، عليهم السلام:
(شاء وأراد). وفي بعض الروايات: (علم وشاء وأراد وقدر وقضى...). ويعلم من هذه الروايات أن كل ما كان مستجنا في المرتبة العلم الإجمالي فبالمشية يظهر في مقام تفاصيل العلم التي عبر عنها ب‍ (الذكر الأول). وهذا معنى قولهم: المشية تتعلق بالفيض الأقدس. وما يظهر بالفيض الأقدس أعم من الممكنات والممتنعات، وما يظهر من العلم إلى العين إنما يظهر بالفيض المقدس والنفس الرحماني. وأيضا، يجب أن يعلم أن كل شئ، أو كل عين ثابت، يتعلق به الإرادة الأزلية، يكون من الممكنات التي وقعت تحت ذل كلمة (كن) الوجودية. ويظهر مما ذكرناه أن متعلق المشية أعم من متعلقات الإرادة، والإرادة على هذه القاعدة تكون من تعينات المشية التي عبر عنها الإمام الثامن بالذكر الأول. (ج)
(٣٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 321 322 323 324 325 326 327 328 329 330 331 ... » »»