شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٣٢٠
لا بهذا الكتاب. و (أجمعوا) أي، تلك التفاريع في أصولها لتكونوا عالمين بالفروع في عين الأصول، وبالأصول في عين الفروع، فتعلموا أن الحق، سبحانه وتعالى، يعلم جزئيات الأشياء في عين كلياتها: (ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء). أو فصلوا مجمل القول الذي ذكرته من المراتب والمقامات، وأجمعوا بين كل مقام وأهله من الأنبياء والأولياء بتنزيل كل في مقامه. ( ثم منوا به على طالبيه ولا تمنعوا) (46) أي، منوا بما سمعتم وفهمتم معناه على طالبيه بإرشادهم وتنبيههم على المعاني المودعة فيه. أي، أعطوهم عطاء امتنانيا غير طالبين منهم عوضا لتكونوا داخلين فيمن قال تعالى فيهم: (ومما رزقناهم ينفقون). ولا تمنعوهم ضنة وبخلا: (فإن رحمة الله قريب من المحسنين). الذين لا يبخلون بما رزقهم الله.
واعلم، أن المنة على قسمين: محمودة. وهي المشار إليها بقوله: (بل الله يمن عليكم أن هديكم للإيمان). ومذمومة. وهي المنبه عليها بقوله: (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى). ولما كانت الأولى صفة إلهية وبها يسمى الحق ب‍ (المنان) أمرنا، رضى الله عنه، بها لنتخلق بالأخلاق الإلهية و نتحقق بالصفات الحقانية.

(46) - قوله: (ثم منوا به طالبيه ولا تمنعوا) وهذه المنة من المنن المحمودة التي من عطاء الله و هدايته. وميزان المنة المحمودة والمذمومة هو أن كل منة كانت خالصة من شائبة النفس و استقلالها، وتكون من جهة عطاء الله تعالى، فهي من المنن المحمودة، وكل منة تكون للنفس فيها قدم وللإنانية فيها دخالة، فهي من المذمومة. وهذا الكتاب لما كان بحسب مكاشفة الشيخ من عطيات رسول الله، صلى الله عليه وآله، ومنحه، وهي بعينها عطيات الله تعالى، تكون هداية الطالبين وإرشاد المسترشدين إليه، من هذه الحيثية من المنن الممدوحة بشرط خلوص الهادي المرشد عن شائبة تصرف النفس من النفس و الشيطان. (الإمام الخميني مد ظله)
(٣٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 315 316 317 318 319 320 321 322 323 324 325 ... » »»