شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٣١٦
أحديته، ومن الشوائب النفسانية والأغراض الشيطانية الموجبة للنقصان باعتبار مقام تفصيله وكثرته. و (التلبيس) سر الحقيقة وإظهارها بخلاف ما هي عليها.
يقال: لبس فلان على فلان. إذا ستر عنه الشئ وأراه بخلاف ما هو عليه.
قوله: (وأرجو أن يكون الحق تعالى لما سمع دعائي قد أجاب ندائي) لسان أدب مع الله تعالى. فإن الكمل المطلعين بأعيانهم الثابتة واستعداداتها مستجابوا الدعوة، لأنهم لا يطلبون من الله تعالى إلا ما يقتضيه استعداداتهم وأعيانهم، كما تأدب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في قوله لأمته: (سلوا لي الوسيلة). فإنها لا يكون إلا لعبد من عباد الله. وأرجو ان أكون أنا ذلك العبد مع تحقق رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنها له، لكن بدعاء الأمة، فاقتدى بالنبي، صلى الله عليه و سلم، فيه.
وقوله: (لما سمع دعائي) إشارة إلى قوله تعالى: (إن ربى لسميع الدعاء).
فإن الدعاء يتعلق بحضرة (السميع)، ثم يجيب (المجيب) لذلك، وإليه الإشارة بقوله: (قد أجاب ندائي) أي، سؤالي.
(فما ألقى إلا ما يلقى إلى ولا أنزل في هذا المسطور إلا ما ينزل به على). أي، فلست ملقيا عليكم إلا ما يلقى على من الحضرة المحمدية من أسرار الأنبياء و الحكم الخصيصة بهم، ولا أخبر في هذا الكتاب إلا ما أخبر به على في صورة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من حضرة الذات الأحدية، فليس لأحد من المحجوبين أن يعترض على ما تضمنه الكتاب فيحكم عليه بأحكام يقتضيها الحجاب. وكونه مخصوصا بهذا الأمر إنما هو للمناسبة التامة الواقعة بين عينهما، إذ الأحكام الوجودية العينية تابعة للأحكام المعنوية الغيبية. ولما عرف، رضى الله عنه، أن المحجوبين عن الحق لا بد أن ينسبوه فيما قال إلى ادعاء النبوة ويتوهموا ذلك منه، قال: (ولست بنبي ولا رسول) لأن النبوة التشريعية والرسالة، كما مر بيانهما اختصاص إلهي، إذ هو الذي يختص برحمته من يشاء. وقد انقطعتا بحسب الظاهر، إذ لا مشرع بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالأصالة، لأنه، عليه السلام، أتى بكمال الدين، كما قال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم
(٣١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 311 312 313 314 315 316 317 318 319 320 321 ... » »»