أراد الوارث ذلك أو لم يرد، كذلك هذا الوارث يأخذ العلم والحال والمقام من الله على حسب استعداده إن شاء ذلك أو لم يشأ، فإنه تمليك قهري. فمعنى قوله، عليه السلام: (فمن أخذه) أي، من أخذ العلم الإلهي من الله، القائم بربوبيته باطن رسول الله وظاهره، فقد سعد وخلص من الشكوك والشبهات الوهمية. و لما كانت علومهم وأحوالهم ومقاماتهم حاصلة من التجليات الأسمائية والذاتية على سبيل الجذب والوهب، من غير تعمل وكسب، كان علوم هذا الوارث و أحواله ومقاماته أيضا كذلك من غير تعمل وكسب. قال تعالى: (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم). فعلوم الأولياء والكمل غير مكتسبة بالعقل ولا مستفادة من النقل، بل مأخوذ من الله، معدن الأنوار ومنبع الأسرار. و إتيانهم بالمنقولات فيما بينوه إنما هو استشهاد لما علموه، وإتيانهم المعاني بالدلائل العقلية تنبيه للمحجوبين وتأنيس لهم رحمة منهم عليهم، إذ كل أحد لا يقدر على الكشف والشهود، ولا يفي استعداده بإدراك أسرار الوجود، فلهم نصيب من الإنباء والرسالة بحكم الوارثة لا بالأصالة، كما للمجتهدين من العلماء في الظاهر نصيب من التشريع، لذلك لا يزالون منبئون عن المعاني الغيبية والأسرار الإلهية.
ولما كانت الأمور السابقة في النشأة الدنياوية سببا للوصول إلى ما قدر له في الآخرة، كما قال، عليه السلام: (الدنيا مزرعة الآخرة).، قال: (لآخرتي حارث) ولا يريد به أجر الآخرة ودخول الجنة وغيرها، فإن الكمل لا يعبدون الله للجنة. بل المراد ب (الآخرة) ما به ينتهى آخر أمره من الفناء في الحق والبقاء به.
قال الشيخ:
(فمن الله فاسمعوا * وإلى الله فارجعوا