قال تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى (40) ألقى الشيطان في أمنيته (41) فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته). وتجريد القصد و الهمة، إنما هو عن الأغراض النفسانية والالقاءات الشبهية الشيطانية. فإنه يلقى في القلب عند كل حال من الأحوال ما يناسبها، والعارف المحقق يعلم ذلك فيخلصها عما ألقاه لأنه المؤيد بنور الله.
قوله: (كما حده) أي، عينه من غير زيادة منى في المعنى أو نقصان.
و (سألت الله أن يجعلني فيه) أي، في إبراز هذا الكتاب (وفي جميع أحوالي من عباده الذين ليس للشيطان عليهم سلطان). أي، تسلط وغلبة. قال عز من قائل: (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان).
واعلم، أن عباد الله، الذين ليس للشيطان عليهم سلطان، هم العارفون الذين يعرفون مداخلة الواقفون مع الأمر الإلهي لا يتعدون عنه، والموحدون الذين لا يرون لغيره وجودا ولا ذاتا، ولا يعلمون الأشياء إلا مظاهره ومجاليه، فيكون عباداتهم وحركاتهم وسكناتهم كلها بالله من الله إلى الله لله. قال الله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه). والذين يعبدون الله من حيث ألوهيته و ذاته المستحقة للعبادة، لا من حيث أنه منعم أو رحيم: فإن عبد (المنعم) لا يكون عبد (المنتقم) وعبد (الرحيم) لا يكون عبد (القهار) ولا لدخول الجنة ولا للخلاص من النار، فإنه حينئذ عبد حظه وأسير نفسه فلا يكون عبد الله. لذلك أضافهم الحق إلى نفسه في قوله: (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان). وفيه أقول: