شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٣٠٨
قوله: ((أما بعد، فإني رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في مبشرة (34) أريتها في العشر الآخر من المحرم لسنة سبع وعشرين وستمأة) هذا تمهيد عذر لإظهار هذا الكتاب إلى الخلق، فإن الأولياء أمناء الله تعالى، والأمين لا بد له من أن يحفظ الأسرار التي أؤتمن عنده ويصونها عن الأغيار، كما قال:
يقولون خبرنا فأنت أمينها وما أنا إذ خبرتهم بأمين اللهم إلا أن يؤمروا بإظهارها، فحينئذ يجب عليهم الإظهار والإخبار. و لما كانت الرؤية إما بالبصيرة أو بالبصر، والكمل لهم الظهور في جميع العوالم حيث ما شاء الله لعدم تقيدهم في البرازخ كتقيد المحجوبين، نبه أنها كانت في (مبشرة)، أي في رؤيا مبشرة، وهي لا يكون إلا بالبصيرة، وهي عين الباطن.
قال، عليه السلام، عند إخباره عن انقطاع الوحي: (لم تبق بعدي من النبوة إلا المبشرات. فقالوا: (وما المبشرات يا رسول الله؟) قال: (الرؤيا الصالحة

(34) - (المبشرة) الريح التي تبشر بالغيث. وفي عرفهم يطلق على ما يرى السالك من الصور المثالية المبشرة بجلائل الفتوحات. ثم إن الفيض الواصل إلى العبد له مدرجتان:
إحديهما، من الرحمة الوجوبية التي يسلك إليها العبد بمساعي قدمي جده واجتهاده وعلمه وأعماله، والثانية، من الرحمة الامتنانية التي تنساق إلى العبد بدون توسل عمل منه و لا توسط سعى واجتهاد. وفي عبارتي: (رأيت) و (أريت) ما يدل على أن الفيض المذكور لجلالة قدره جامع بين نوعيهما حائز لكمالهما. (س). - (قيل في تفسير (المبشرة) أي مغيرة لصورة البشرة من حزن وكرب إلى فرح وسرور. وهو من قوله، عليه السلام: (ذهبت النبوة وبقيت المبشرات). وذلك في عالم التجريد عن العلائق البشرية وتبديل الصورة الحيوانية بالصورة الإنسانية. وسبب ذلك ركود الحواس وصفاء الروحانية إما بالمنام المعروف أو باليقظة الحقيقية). (عبد الغنى النابلسي).
(٣٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 303 304 305 306 307 308 309 310 311 312 313 ... » »»