شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٣٠٤
لحقائق العالم.
فاللام في (الهمم) لاستغراق الجنس، لأنه الجمع المحلى بالألف واللام، وهو يفيد الاستغراق، كما تقرر عند علماء الظاهر. وإن جعلنا إمداده مخصوصا بالكمال السابق في الذهن بحسب الظاهر، فاللام للعهد. أي، يمد الهمم القابلة للكمال بإرشاده طريقه وإيضاحه تحقيقه، وتسليكه سبيلا يوجب الكشف و الشهود وترغيبه فيما يوجب الذوق والوجود. وأمره بالعبادات والأخلاق المرضية ونهيه عما يوجب النقص والرين من المنهيات الشرعية ليترقى الهمم العالية إلى أوجها وذروتها ويتخلص من قيود الحضيض بذكر مقامها الأصلي ونشأتها.
و (الهمم) جمع (الهمة)، وهي مأخوذة من (الهم)، وهو القصد. يقال: هم بكذا. إذا قصده. قال تعالى: (ولقد همت به وهم بها). وفي الاصطلاح، توجه القلب وقصده بجميع قواه الروحانية إلى جناب الحق لحصول الكمال له أو لغيره.
قوله: (من خزائن الجود والكرم) متعلق بقوله: (ممد الهمم). والخزائن هي الحقائق الإلهية المعبر عنها بالأسماء والصفات. ولما كان كل من هو الجواد الكريم لا يعطى ما يعطى إلا من خزائنه بحسب جوده وكرمه، أضاف (الخزائن) إلى (الجود والكرم). و (اللام) فيهما عوض عن الإضافة. أي، من خزائن جوده وكرمه تعالى. وقيل: (الفرق بينه وبين الكرم، أن الجود صفة ذاتية للجواد ولا يتوقف بالاستحقاق ولا بالسؤال بخلاف الكرم، فإنه مسبوق بالاستحقاق القابل والسؤال منه) (26) وإمداد النبي، صلى الله عليه وسلم،

(٢٦) - اعلم، أن (الجود) إفادة ما ينبغي لما ينبغي لا لغرض ولا لعوض. وليس في قبيلة الممكنات جوادا حقيقيا ولا واهبا حقيقة، وصفة (الكرم) يذكر بعد اسم الجواد كثيرا و هو الجواد الكريم، ومعلوم أن الفيض عن الحق يتوقف على السؤال بأحد الألسنة الخمسة ولا يظهر فيض عن الحق مجردا عن السؤال، والكرم منه تعالى أيضا يكون لا لعوض و لا لغرض عائد إلى الحق، ويجب كونهما واحدا بالذات ومختلفا بالاعتبار. واعلم، أن جميع الصفات في الحق واحدة بوحدة ذاته، ويجب أن يكون في كل صفة في الحق معاني كل الصفات بحسب المصداق لا المفهوم، كما زعم بعض المتكلمين والمتفلسفين، لأن القول بالترادف في الصفات قول فاسد ومسلك سخيف. والاتحاد إنما يكون في المرتبة الواحدية مصداقا والتخالف مفهوما، وأما الأحدية ليست فيها شوب الكثرة، وفي الأحدية الذاتية ليست صفة ولا موصوفا، لأن قهر الأحدية يقتضى أن لا يعلم ولا يدرك ولا سبيل للكشف في هذا المقام ويعبر عنها ب‍ (الغيب المطلق). عندليب گلستان توحيد گويد: (كس ندانست كه منزلگه معشوق كجاست آن قدر هست كه بانگ جرسى مى آيد). (ج)
(٣٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 299 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 ... » »»