شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٣٠٠
منبع فيضان الأعيان واستعداداتها في الحضرة العلمية أولا، ووجودها وكمالاتها في الحضرة العينية بحسب عوالمها وأطوارها الروحانية والجسمانية ثانيا. وإنما قال على صيغة أفعل التفضيل، لأن للقدم مراتب وكلها في الوجود سواء، لكن العقل باستناد بعضها إلى البعض يجعل قديما وأقدم، كترتب بعض الأسماء على البعض، إذ الشئ لا يمكن أن يكون مريدا إلا بعد أن يكون عالما، ولا يمكن أن يكون عالما إلا بعد أن يكون حيا، وكذلك الصفات. وجميع الأسماء والصفات مستندة إلى الذات، فلها المقام الأقدم من حيث المرتبة الأحدية وإن كانت الأسماء والصفات أيضا قديمة (16) قوله: (إن اختلفت الملل والنحل (17) لاختلاف الأمم) (18) للمبالغة. و (الملة) الدين، و (النحلة) المذهب والعقيدة. أي، أصل طرق الأنبياء واحد، وإن اختلفت أديانهم وشرائعهم لأجل اختلاف أممهم. وذلك لأن أهل كل عصر يختص باستعداد كلي خاص يشمل استعدادات أفراد أهل ذلك العصر وقابلية معينة كذلك ومزاج يناسب ذلك العصر. والنبي المبعوث إليهم إنما يبعث بحسب قابلياتهم واستعداداتهم فاختلفت شرائعهم باختلاف القوابل. وذلك لا يقدح في وحدة أصل طرقهم وهو الدعوة إلى الله ودين الحق، كما لا يقدح

(16) - إما في الذات باعتبار استجنانها فيها، وإما باعتبار ظهور الأسماء وتجلياتها في المظاهر، فهي قديمة بقدم الذات. (ج) (17) - في نسخة ع ف، ط القاهرة: (لاختلاف النحل والملل). وفي جميع النسخ الموجودة عندي: (لاختلاف الملل والنحل). ويظهر هذا من شرح الشارحين وكلام العلماء العالمين بالأديان. وقد سمى الشهرستاني، تاج الدين عبد الكريم، في كتابه المسمى ب‍ (الملل والنحل). (ج) (18) - قوله: (لاختلاف الأمم) إشارة إلى اعتراض وجوابه: (لاختلاف الأمم) كأنه قيل: إن كان طريق نزول الحكم إلى قلوب الأنبياء أو المراد من إنزال الحكم طريقا واحدا، فلم اختلفت أديانهم؟ فأجاب بأنه لاختلاف استعدادات الأمم اختلف صور سلوك التوحيد و كيفية سلوكها مع أن المقصد واحد وحقيقة الطريق واحد. (جامى)
(٣٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 305 ... » »»