ومرتبة الانسان الكامل عبارة عن جمع جميع المراتب الآلهية والكونية (181) من العقول والنفوس الكلية والجزئية ومراتب الطبيعة إلى آخر تنزلات الوجود و يسمى بالمرتبة العمائية أيضا، فهي مضاهية للمرتبة الإلهية ولا فرق بينهما الا بالربوبية والمربوبية (182)، لذلك صار خليفة الله (183).
وإذا علمت هذا، علمت الفرق بين المراتب الإلهية والربوبية والكونية. و جعل بعض المحققين المرتبة الإلهية هي بعينها مرتبة العقل الأول باعتبار جامعية الاسم الرحمان لجميع الأسماء كجامعية الاسم الله لها. هذا وان كان حقا من وجه (184) لكن كون الرحمان تحت حيطة اسم الله يقضى بتغاير المرتبتين، ولو لا وجه المغايرة بينهما ما كان تابعا للاسم الله في (بسم الله الرحمن الرحيم)، فافهم.
تنبيه آخر قد مر ان كل كمال يلحق الأشياء بواسطة الوجود وهو الموجود بذاته. فهو الحي القيوم العليم المريد القادر بذاته (185) لا بالصفة الزائدة عليها والا يلزم الاحتياج في إفاضة هذه الكمالات منه إلى حياة وعلم وقدرة وإرادة أخرى، إذ لا يمكن إفاضتها الا من الموصوف بها.
وإذا علمت هذا، علمت معنى ما قيل ان صفاته عين ذاته ولاح لك حقيقته. وان المعنى به ما ذكر، لا ما يسبق إلى الافهام من ان الحياة والعلم والقدرة الفائضة منه اللازمة له عين ذاته، وان كان هذا أيضا صحيحا من وجه آخر (186)، فان الوجود في مرتبة أحديته ينفى التعينات كلها، فلا يبقى فيها صفة ولا موصوف ولا اسم ولا مسمى الا الذات فقط. وفي مرتبة واحديته التي هي مرتبة الأسماء والصفات يكون صفة وموصوفا واسما ومسمى، وهي المرتبة الإلهية.
كما ان المراد من قولنا ان وجوده عين ذاته، انه موجود بذاته لا بوجود فايض منه وهو عين ذاته، فيتحد الحياة والعلم والقدرة وجميع الصفات الثبوتية كاتحاد الصفة والموصوف في المرتبة الأولى، وحكم العقل بالمغايرة بينهما (187) في العقل أيضا كالحكم بالمغايرة بين الموصوف والصفة في العقل مع اتحادهما