وقال المشائون ان وجود الممكن زائد على مهيته ذهنا بمعنى كون المفهوم من أحدهما غير المفهوم من الآخر ذهنا، ونفس ذاته حقيقة وعينا بمعنى عدم تغايرهما بالهوية. والوجود الواجبي عين ذاته بمعنى ان حقيقته وجود خاص قائم بذاته من دون اعتبار معنى آخر فيه غير حيثية الوجود بلا اعتبار انتسابه إلى فاعل يوجده أو محل يقوم به ولو في العقل. وهو عندهم مخالف لوجود الممكنات بالحقيقة وإن كانت مشاركا لها في كونه معروضا للوجود المطلق، ويعبرون عنه بالوجود البحت والوجود بشرط لا، يعنى انه لا يقوم بالمهيات كما في وجود الممكنات.
هكذا نقل صدر المتألهين في أوايل الأمور العامة من الاسفار في الفصل المعنون بقوله: (فصل في إثبات ان وجود الممكن عين مهيته خارجا ومتحد بها نحو من الاتحاد).
قال صدر المتألهين أيضا، في شرح التوحيد في ضمن الحديث الأول من باب جوامع التوحيد: اعلم ان كثيرا من الناس زعموا ان كل حادث، سواء كان زمانيا موجودا بحركة أو ذاتيا حاصلا لا بحركة، لا بد ان يكون له أصل أي سنخ يوجد فحدوث شئ لا عن سنخ محال، فلزم أحد الامرين عليهم: اما القول بكونه تعالى مادة الممكنات، واما القول بوجود أصل قديم غير الباري تعالى. وقد ذهبت إلى كل من القولين طائفة. اما القول الثاني فذهب الثنوية القائلين بأصلين قديمين، أحدهما يسمى بالنور والآخر يسمى بالظلمة. واما القول الأول فذهب إليه قوم من المتصوفة القائلين بان الموجودات الإمكانية صور وتعينات ومهيات عارضة للموجود الحقيقي وهو مادة المواد وهيولي الهيوليات (32). وهذا أشنع المذاهب وأقبحها، فان الهيولا أخس الموجودات وأنزلها مرتبة، والله تعالى أجل و أعلى من ان يتلبس بغيره أو يتلوث ذاته بالأمور الدنية. واما مذهب المحققين من الصوفية من كونه تعالى مع كل شئ بلا مقارنة كما ورد في كلام على (ع).
فذلك شئ غامض دقيق لا يعلمه الا الله والراسخون في العلم، وليست تلك النسبة نسبة المادة إلى الصور والهيئات.
اعلم، ان الوجود الذي هو لا بشرط مطلق عن جميع التقييدات حتى عن