بداية الحكمة - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ٢٦
وعن المعتزلة: " أن الثبوت أعم مطلقا من الوجود " (1)، فبعض المعدوم ثابت عندهم، وهو المعدوم الممكن، ويكون حينئذ النفي أخص من العدم، ولا يشمل إلا المعدوم الممتنع.
وعن بعضهم: " أن بين الوجود والعدم واسطة " (2)، ويسمونها الحال، وهي صفة الموجود، التي ليست بموجودة ولا معدومة، كالعالمية والقادرية والوالدية من الصفات الانتزاعية التي لا وجود منحازا لها، فلا يقال: " إنها موجودة "، والذات الموجودة تتصف بها، فلا يقال: " إنها معدومة " وأما الثبوت والنفي فهما متناقضان، لا واسطة بينهما. وهذه كلها أوهام يكفي في بطلانها قضاء الفطرة بأن العدم بطلان لا شيئية له.
الفصل العاشر في أنه لا تمايز ولا علية في العدم أما عدم التمايز (3)، فلأنه فرع الثبوت والشيئية، ولا ثبوت ولا شيئية في العدم. نعم ربما يتميز عدم من عدم بإضافة الوهم إياه إلى الملكات وأقسام

(1) هذا ما ذهب إليه أكثر المعتزلة كأبي يعقوب وأبي علي وابنه وأبي الحسن الخياط والبلخي وأبي عبد الله وابن عياش وعبد الجبار، هكذا في أنوار الملكوت في شرح الياقوت: 49.
وخالفهم أبو الحسين البصري وأبو الهذيل العلاف والكعبي ومن تبعهم من البغداديين.
(2) هذا ما نسب إلى بعض المعتزلة. راجع شرح المنظومة: 44. ونسبه العلامة في كشف المراد:
35 إلى أبي هاشم واتباعه من المعتزلة والقاضي والجويني من الأشاعرة.
(3) كما في الأسفار 1: 348، وشرح المنظومة: 47. والظاهر من المحقق الطوسي تمايز الأعدام، فراجع كشف المراد: 43.
والتحقيق أنه لم يقل أحد من العقلاء بتمايز الأعدام مطلقا كما لم يقل أحد منهم بعدم تمايزها مطلقا، بل المتفق عليه أن الأعدام قد يتمايز وقد لا يتمايز، فإن اخذت مضافة إلى الوجودات فتكون متمايزة، وإن اخذت بما هي أعدام من غير أن تكون مضافة إلى الوجودات فلا تكون متمايزة. فهذا مذهب الحكماء والمحقق الطوسي. فالأولى أن يقال في عنوان الفصل: " الأعدام قد يتمايز وقد لا يتمايز ".
(٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 ... » »»