بداية الحكمة - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ٢١١
الممكن على وجوبه بالغير وانتهاء ذلك إلى الواجب بالذات، ينتج خلاف المطلوب، فإن كون فعله (تعالى) واجبا يستلزم كونه (تعالى) موجبا - بفتح الجيم - أي واجبا عليه الفعل ممتنعا عليه الترك، ولا معنى لعموم القدرة حينئذ.
قلت: الوجوب - كما تعلم - منتزع من الوجود، فكما أن وجود المعلول من ناحية العلة كذلك وجوبه بالغير من ناحيتها، ومن المحال أن يعود الأثر المترتب على وجود الشئ مؤثرا في وجود مؤثره، فالإيجاب الجائي من ناحيته (تعالى) إلى فعله يستحيل أن يرجع فيوجب عليه (تعالى) فعله، ويسلب عنه بذلك عموم القدرة، وهي عين ذاته.
ويتبين بما تقدم: أنه (تعالى) مختار بالذات، إذ لا إجبار إلا من أمر وراء الفاعل، يحمله على خلاف ما يقتضيه أو على ما لا يقتضيه، وليس وراءه (تعالى) إلا فعله، والفعل ملائم لفاعله، فما فعله من فعل هو الذي تقتضيه ذاته ويختاره بنفسه.
الفصل السابع في حياته تعالى الحي عندنا هو: " الدراك الفعال "، فالحياة مبدأ الإدراك والفعل - أي مبدأ العلم والقدرة -، أو أمر يلازمه العلم والقدرة (1).

(١) قال المحقق القوشجي: " واختلفوا في معنى الحياة. فقال جمهور المتكلمين إنها صفة توجب صحة العلم والقدرة. وقال الحكماء وأبو الحسين البصري من المعتزلة إنها كونه بحيث يصح أن يعلم ويقدر ". راجع شرح تجريد العقائد للقوشجي: ٣١٤.
وأقول: الحياة قد تطلق ويراد بها " الوجود ". وبهذا الاعتبار كلما هو موجود حي حتى الجمادات. وقد تطلق ويراد بها مبدأ الدرك والفعل، ولكل منهما مراتب، أقل مرتبة الدرك والفعل هو الشعور اللمسي والحركة الإرادية، وأعلاهما العلم الحضوري والقدرة التامة للواجب. فالله تعالى حي بكلا الإطلاقين.
(٢١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 ... » »»