فهو (تعالى) يعلم الأشياء كلها إجمالا بعلمه بذاته، وأما علمه بالأشياء تفصيلا فبعد وجودها، لأن العلم تابع للمعلوم، ولا معلوم قبل وجود المعلوم.
وفيه: ما في سابقه، على أن كون علمه (تعالى) على نحو الإرتسام والحصول ممنوع، كما سيأتي (1).
العاشر: ما نسب إلى المشائين (2): أن علمه (تعالى) بالأشياء قبل إيجادها بحضور ماهياتها على النظام الموجود في الوجود لذاته (تعالى)، لا على نحو الدخول فيها والاتحاد بها، بل على نحو قيامها بها بالثبوت الذهني على وجه الكلية - بمعنى عدم تغير العلم بتغير المعلوم -، فهو علم عنائي حصوله العلمي مستتبع لحصوله العيني، وقد جرى على هذا القول أكثر المتكلمين، وإن خطؤوه وطعنوا فيه من حيث إثبات الكلية في العلم، فإنهم جروا على كونه علما حصوليا قبل الإيجاد، وأنه على حاله قبل وجود الأشياء وبعده.
وفيه: ما في سابقه، على أن فيه إثبات العلم الحصولي لموجود مجرد ذاتا وفعلا، وقد تقدم في مباحث العلم والمعلوم أن الموجود المجرد ذاتا وفعلا لا يتحقق فيه علم حصولي (3)، على أن فيه إثبات وجود ذهني من غير وجود عيني يقاس إليه، ولازمه أن يعود وجودا عينيا آخر للموجود الخارجي قبل وجوده العيني الخاص به ومنفصلا عنه (تعالى)، ويرجع لا محالة إلى القول الرابع (4).
* * *