يضاهي النظام المادي، وهو أشرف منه، وفي عالم العقل ما يطابقه، لكنه موجود بنحو أبسط وأجمل، ويطابقه النظام الربوبي الموجود في علم الواجب (تعالى).
الفصل العاشر في العقل المفارق وكيفية حصول الكثرة فيه، لو كانت فيه كثرة وليعلم: أن الماهية لا تتكثر تكثرا أفراديا إلا بمقارنة المادة، والبرهان عليه:
أن الكثرة العددية إما أن تكون تمام ذات الماهية، أو بعض ذاتها، أو خارجة من ذاتها إما لازمة أو مفارقة، والأقسام الثلاثة الأول يستحيل أن يوجد لها فرد، إذ كلما وجد لها فرد كان كثيرا، وكل كثير مؤلف من آحاد، والواحد منها يجب أن يكون كثيرا، لكونه مصداقا للماهية، وهذا الكثير أيضا مؤلف من آحاد، فيتسلسل ولا ينتهي إلى واحد، فلا يتحقق لها واحد، فلا يتحقق كثير، هذا خلف، فلا تكون الكثرة إلا خارجة مفارقة، يحتاج لحوقها إلى مادة قابلة، فكل ماهية كثيرة الأفراد فهي مادية، وينعكس عكس النقيض إلى أن كل ماهية غير مادية، وهي المجردة وجودا، لا تتكثر تكثرا أفراديا، وهو المطلوب.
نعم، تمكن الكثرة الأفرادية في العقل المفارق فيما لو استكملت أفراد من نوع مادي، كالإنسان، بالحركة الجوهرية من مرحلة المادية والإمكان إلى مرحلة التجرد والفعلية، فتستصحب التميز الفردي الذي كان لها عند كونها مادية.
ثم إنه، لما استحالت الكثرة الأفرادية في العقل المفارق، فلو كانت فيه كثرة في الكثرة النوعية، بأن توجد منه أنواع متباينة كل نوع منها منحصر في فرد، ويتصور ذلك على أحد وجهين: إما طولا، وإما عرضا، والكثرة طولا، أن يوجد هناك عقل ثم عقل إلى عدد معين، كل سابق منها علة فاعلة للاحقه مباين له نوعا (1)، والكثرة عرضا: أن يوجد هناك أنواع كثيرة متباينة، ليس بعضها علة