بداية الحكمة - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ١٩٠
قلت (1): هو كذلك، لكن النفس مجردة ذاتا لا فعلا، فهي لتجردها ذاتا تعقل ذاتها بالفعل، لكن تعقلها فعلا يوجب خروجها من القوة إلى الفعل تدريجا بحسب الاستعدادات المختلفة، فإذا تجردت تجردا تاما ولم يشغلها تدبير البدن، حصلت لها جميع العلوم حصولا بالعقل الاجمالي، وتصير عقلا مستفادا بالفعل.
وغير خفي أن هذا البرهان إنما يجري في الذوات المجردة الجوهرية، التي وجودها لنفسها، وأما أعراضها التي وجودها لغيرها فلا، بل العاقل لها موضوعاتها.
الفصل الثاني عشر في العلم الحضوري وأنه لا يختص بعلم الشئ بنفسه قد تقدم أن الجواهر المجردة لتمامها وفعليتها حاضرة في نفسها لنفسها (2)، فهي عالمة بنفسها علما حضوريا، فهل يختص العلم الحضوري بعلم الشئ بنفسه، أو يعمه وعلم العلة بمعلولها إذا كانا مجردين، وبالعكس؟ المشاؤون على الأول (3)، والإشراقيون على الثاني (4)، وهو الحق.
وذلك لأن وجود المعلول - كما تقدم (5) - رابط لوجود العلة قائم به غير

(1) كما أجاب عنه الشيخ الرئيس على ما في المباحث المشرقية 1: 373، والأسفار 3: 458 - 459. وناقش فيه صدر المتألهين ثم أجاب عنه بوجه آخر، راجع الأسفار 3: 459 - 460.
(2) راجع الفصل الأول من هذه المرحلة.
(3) راجع التحصيل: 574 - 575، وشرح الإشارات 3: 304. ونسبه إليهم صدر المتألهين في الأسفار 6: 180، والشواهد الربوبية: 39. ونسبه إليهم أيضا الحكيم السبزواري في تعليقاته على الأسفار 6: 164، وانحصر نفسه العلم الحضوري في موردين: علم الشئ بنفسه وعلم الشئ بمعلوله، راجع تعليقاته على الأسفار 6: 160 و 230.
وأما انتساب هذا القول إلى أفلاطون أمر خلاف الواقع، كما في الشواهد الربوبية: 55 - 56.
(4) راجع المطارحات: 488، والتلويحات: 70 - 74، وشرح حكمة الإشراق: 358 - 366.
(5) راجع الفصل الثالث من المرحلة السابعة.
(١٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 185 186 187 188 189 190 191 192 194 195 196 ... » »»