بداية الحكمة - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ١٨٩
بالعرض والمجاز " لاتحاد ما له مع المعلوم بالذات.
ومنها: أنه تقدم أن كل معقول فهو مجرد، كما أن كل عاقل فهو مجرد (1)، فليعلم أن هذه المفاهيم الظاهرة للقوة العاقلة، التي تكتسب بحصولها لها الفعلية حيث كانت مجردة، فهي أقوى وجودا من النفس العاقلة التي تستكمل بها وآثارها مترتبة عليها، فهي في الحقيقة موجودات مجردة تظهر بوجوداتها الخارجية للنفس العالمة، فتتحد النفس بها إن كانت صور جواهر، وبموضوعاتها المتصفة بها إن كانت أعراضا، لكنا لاتصالنا من طريق أدوات الإدراك بالمواد نتوهم أنها نفس الصور القائمة بالمواد نزعناها من المواد من دون آثارها المترتبة عليها في نشأة المادة، فصارت وجودات ذهنية للأشياء لا تترتب عليها آثارها.
فقد تبين بهذا البيان أن العلوم الحصولية في الحقيقة علوم حضورية.
وبان أيضا أن العقول المجردة عن المادة لا علم حصوليا عندها، لانقطاعها عن المادة ذاتا وفعلا.
الفصل الحادي عشر كل مجرد فهو عاقل [وعقل ومعقول] لأن المجرد تام ذاتا، لا تعلق له بالقوة، فذاته التامة حاضرة لذاته موجودة لها، ولا نعني بالعلم إلا حضور شئ لشئ بالمعنى الذي تقدم (2)، هذا في علمه بنفسه، وأما علمه بغيره، فإن له لتمام ذاته إمكان أن يعقل كل ذات تام يمكن أن يعقل، وما للموجود المجرد بالإمكان فهو له بالفعل، فهو عاقل بالفعل لكل مجرد تام الوجود، كما أن كل مجرد فهو معقول بالفعل وعقل بالفعل.
فإن قلت (3): مقتضى ما ذكر كون النفس الانسانية عاقلة لكل معقول، لتجردها، وهو خلاف الضرورة.

(1) راجع الفصل الأول من هذه المرحلة.
(2) في الفصل الأول من هذه المرحلة.
(3) هذا الإشكال أورده بعض من عاصر الشيخ الرئيس عليه كما نقل في المباحث المشرقية 1: 373، والأسفار 3: 458.
(١٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 184 185 186 187 188 189 190 191 192 194 195 ... » »»