بداية الحكمة - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ١٨٧
وجود في خارجه، بل السمع إذا اتصل بالارتعاش بعدد كذا، ظهر في السمع في صورة الصوت، وإذا بلغ عدد الارتعاش كذا ارتعاشا، ظهر في البصر في صورة الضوء واللون "، فالحواس، التي هي مبادئ الإدراك، لا تكشف عما وراءها من الحقائق، وسائر الإدراكات منتهية إلى الحواس.
وفيه: أن الإدراكات إذا فرضت غير كاشفة عما وراءها، فمن أين علم أن هناك حقائق وراء الإدراك لا يكشف عنها الإدراك؟! ثم من أدرك أن حقيقة الصوت في خارج السمع ارتعاش بعدد كذا؟! وحقيقة المبصر في خارج البصر ارتعاش بعدد كذا؟! وهل يصل الانسان إلى الصواب الذي يخطئ فيه الحواس، إلا من طريق الإدراك الإنساني؟!
وبعد ذلك كله، تجويز أن لا ينطبق مطلق الإدراك على ما وراءه، لا يحتمل إلا السفسطة، حتى أن قولنا: " يجوز أن لا ينطبق شئ من إدراكاتنا على الخارج " لا يؤمن أن لا يكشف - بحسب مفاهيم مفرداته والتصديق الذي فيه - عن شئ.
الفصل التاسع وينقسم العلم الحصولي إلى حقيقي واعتباري والحقيقي: هو المفهوم الذي يوجد تارة بوجود خارجي فيترتب عليه آثاره، وتارة بوجود ذهني لا تترتب عليه آثاره، وهذا هو " الماهية ".
والاعتباري: ما كان بخلاف ذلك، وهو إما من المفاهيم التي حيثية مصداقها حيثية أنه في الخارج، كالوجود وصفاته الحقيقية كالوحدة والفعلية وغيرهما، فلا يدخل الذهن، وإلا لانقلب (1)، وإما من المفاهيم التي حيثية مصداقها حيثية أنه في الذهن، كمفهوم الكلي والجنس والنوع، فلا يوجد في الخارج، وإلا لانقلب.
وهذه المفاهيم إنما يعملها الذهن بنوع من التعمل، ويوقعها على مصاديقها، لكن لا كوقوع الماهية وحملها على أفرادها، بحيث تؤخذ في حدها (2).

(١) أي لانقلب عما هو عليه.
(٢) وتفصيلها في نهاية الحكمة: ٣١٥ - 316.
(١٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 ... » »»