القضايا التي يكفي في التصديق بها تصور الموضوع والمحمول كقولنا: " الكل أعظم من جزئه " وقولنا: " الشئ لا يسلب عن نفسه ".
وأولى الأوليات بالقبول قضية استحالة اجتماع النقيضين وارتفاعهما، وهي قضية منفصلة حقيقية: " إما أن يصدق الإيجاب أو يصدق السلب "، ولا تستغني عنها في إفادة العلم قضية نظرية ولا بديهية، حتى الأوليات، فإن قولنا: " الكل أعظم من جزئه " إنما يفيد علما إذا كان نقيضه، وهو قولنا: " ليس الكل بأعظم من جزئه " كاذبا.
فهي أول قضية مصدق بها، لا يرتاب فيها ذو شعور، وتبتني عليها العلوم، فلو وقع فيها شك، سرى ذلك في جميع العلوم والتصديقات.
تتمة:
السوفسطي المنكر لوجود العلم غير مسلم لقضية " أولى الأوائل " (1)، إذ في تسليمها اعتراف بأن كل قضيتين متناقضتين فإن إحداهما حقة صادقة.
ثم السوفسطي المدعي لانتفاء العلم والشاك في كل شئ إن اعترف بأنه يعلم أنه شاك، فقد اعترف بعلم ما، وسلم قضية " أولى الأوائل "، فأمكن أن يلزم بعلوم كثيرة تماثل علمه بأنه شاك، كعلمه بأنه يرى ويسمع ويلمس ويذوق ويشم، وأنه ربما جاع فقصد ما يشبعه، أو ظمأ فقصد ما يرويه، وإذا الزم بها الزم بما دونها من العلوم، لأن العلم ينتهي إلى الحس كما تقدم (2).
وإن لم يعترف بأنه يعلم أنه شاك، بل أظهر أنه شاك في كل شئ وشاك في شكه لا يدري شيئا، سقطت معه المحاجة، ولم ينجع فيه برهان، وهذا الانسان إما