بداية الحكمة - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ١٧٦
فحصول العلم للعالم من خواص العلم، لكن لا كل حصول كيف كان، بل حصول أمر بالفعل فعلية محضة لا قوة فيه لشئ مطلقا، فإنا نشاهد بالوجدان أن المعلوم من حيث هو معلوم لا يقوى على شئ آخر، ولا يقبل التغير عما هو عليه، فهو حصول أمر مجرد عن المادة خال من غواشي القوة، ونسمى ذلك: " حضورا ".
فحضور المعلوم يستدعي كونه أمرا تاما في فعليته من غير تعلق بالمادة والقوة [الذي] يوجب نقصه وعدم تمامه من حيث كمالاته التي بالقوة.
ومقتضى حضور المعلوم أن يكون العالم الذي يحصل له العلم أمرا فعليا تام الفعلية، غير ناقص من جهة التعلق بالقوة، وهو كون العالم مجردا عن المادة خاليا عن القوة.
فقد بان أن العلم حضور موجود مجرد لموجود مجرد (1)، سواء كان الحاصل عين ما حصل له كما في علم الشئ بنفسه، أو غيره بوجه، كما في علم الشئ بالماهيات الخارجة عنه.
وتبين أيضا: أولا: أن المعلوم الذي هو متعلق العلم يجب أن يكون أمرا مجردا عن المادة، وسيجئ معنى تعلق العلم بالأمور المادية (2).

(١) اعلم أن في تعريف العلم مذاهب مختلفة:
الأول: ما ذهب إليه الشيخ الإشراقي، وهو أن العلم عبارة عن الظهور، راجع حكمة الإشراق: ١١٤ - ١١٥.
الثاني: ما ذهب إليه أبو الحسين البصري وأصحابه، وتبعهم الفخر الرازي، وهو أن العلم حالة إضافية بين العالم والمعلوم. راجع شرح مسألة العلم: ٢٩، وشرحي الإشارات ١: ١٣٣ - ١٣٤، والمباحث المشرقية ١: ٣٣١.
الثالث: ما ذهب إليه صاحب الملخص - على ما في الأسفار ٣: ٢٩٠ - وهو أن العلم عبارة عن كيفية ذات إضافة.
الرابع: ما ذهب إليه بعض آخر، وهو أن العلم عبارة عن صورة منطبعة عند العقل.
هذه الأقوال تعرض لها ولنقدها صدر المتألهين في الأسفار ٣: ٢٨٤ - ٢٩٦.
والخامس: ما ذهب إليه الأشاعرة، وهو أنه صفة ذات تعلق. راجع شرح المواقف: ٢٧٢.
وعرفوه أيضا بتعاريف اخر، ذكرها المحقق الطوسي في شرح مسألة العلم: 23 - 26.
(2) راجع الفصل الآتي.
(١٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 169 170 172 174 175 176 177 178 179 180 181 ... » »»