ولبعضها بعضا من باطنه سبحانه لظاهره، وذلك بحسب احكام تعيناتها وبحسب حكمه من حيثها.
فثم خلق وحق وتمييز غير ما عقل من صور التمييز، ووحدة غير ما فهم من كل وحدة، وكثرة غير ما تصور من الكثرة - مع بقاء كل ذلك بحاله وصحته - فافهم ان كنت تفهم، ولا تحصر الامر فيما بلغك ولا فيما ترى، وتعلم وتدبر فيما يقرع سمعك، فهذا لسان غريب بعيد جدا، قريب لمن لم يتعد حدا ولم يتخذ عند الرحمن عهدا، بل كان بالذات والحقيقة والفعل والحال سيدا وعبدا، وقد استرسل القلم بحكم وارد الوقت وقهر حتى أبدى ما لم يخطر ابدائه، فلنقبض عنانه ولنعد إلى تتميم ما شرعنا في ذكره فنقول: ثم ظهر عن الحق وبه وبواسطة ما ذكر من المراتب والمظاهر مضافا إلى ذلك تأثير حركة العرش الظاهرة، وروحه وصورته: صورة الكرسي وروحه وحركته.
وانما قلت حركة العرش الظاهرة، لان الحركة فيما تقدم غيبية أسمائية وروحانية معقولة وذهنية مثالية، وفي العرش تمت مراتبها بالحركة الصورية الحسية فتربعت، فحصل الاستواء الذي لا يخفى سره على من عرف وتذكر ما سلف، فان الامر فيما قيل مثاله ما يقال في المركب الذي يكون شديد الالتحام قوى التركيب، بأنه اما ان يكون ما فيه من قسمي اللطيف والكثيف قريبين من الاعتدال أو لا يكونان كذلك.
فإن كان الأول فإنه إذا قوى تأثير الحرارة حدثت حركة دورية - كما في الذهب - فان اللطيف إذا مال إلى التصعد جذبه الكثيف إلى أسفل فحدثت لذلك في الجسم حركة دورية.
وإن كان الثاني وغلب اللطيف تصعد بالكلية واستصحب الكثيف معه - وان لم يغلب اللطيف - مع أن الكثيف لم يكن غالبا جدا اثرت النار في تسييله القوى أو تسييله