ولكل حقيقة من حقائق العالم والأسماء الإلهية أيضا من حيث الرتبة الكلية اعتباران أو حكمان - كيف قلت -: أحدهما نسبة الافتقار والطلب من حيث التوقف في الظهور على السوى، والاخر نسبة حكم التعين والقبول للأثر، والطلب حيث كان يستلزم حكم الحاجة وينافيه الغنى المطلق، لكن قد يكون الفقر ظاهر الحكم مع عدم التعلق بالغير - كافتقار الشئ إلى نفسه - فهو غنى عما سواه، وان لم يعر عن حكم الحاجة، وبين الطلبين فروق:
منها: ان المفتقر إليه من حيث الحضرة الإلهية ليس شيئا معينا يكون هو قبلة الطلب - بخلاف الطلب والفقر الكوني - فان قبلته ومتعلقه حضرة أحدية الجمع والوجود لا محالة، عرف الطالب ذلك أو لم يعرف، وكل ذلك (1) مراتب نسبية لا وجود لها في عينها من حيث الانفراد.
وظهور الحكم الجمعي يسمى وجودا عينيا وليس هو سوى صورة النسبة الاجتماعية - لا أمر زائد - لكن على وجه مناسب لتلك الجمعية - أي جمعية كانت - سواء سميت خاصة أو عامة شاملة، وحكم التوقف يشمل الحضرتين كما ذكر.
ثم إنه إذا اعتبر معتبر بعد الاطلاع المحقق بما شاء الله من الطرق كل حقيقة من حقائق الحقيقة الأصلية الجامعة المذكورة من حيث أحديتها، ألفاها حقيقة غيبية من حقائق مرتبة الجمع المشتملة على حقائق الأسماء الذاتية، وباعتبار إضافة النسبة الجامعة إلى ما تليها من الأسماء الذاتية مجموعة في العلم لا في الخارج، تسمى حضرة الهوية وحضرة الذات ونحو ذلك على ما مر.
والجهل بهذه الذات عبارة عن عدم معرفتها مجردة عن المظاهر والمراتب والمعينات - لاستحالة ذلك - فإنه من هذه الحيثية لا نسبة بين الله سبحانه وبين شئ أصلا، لان الواحد في مقام وحدته الحقيقية التي لا تظهر لغيره فيها عين ولا رسم، ولا يتعين فيها لسواه وصف ولا حكم، ولا يدركه سواه ولا يتعلق به الا هو.