واعلم أنه لم يتغير من أصول الرؤيا القديمة شئ ولكن تغيرت حالات الناس في هممهم وآدابهم وإيثارهم أمر دنياهم على أمر آخرتهم، فلذلك صار الأصل الذي كان تأويله همة الرجل وبغيته وكانت؟ تلك الهمة دينه خاصة دون دنياه فتحولت تلك الهمة عن دينه وإيثاره إياه فصارت في دنياه وفي متاعها ونضارتها وهي أقوى الهمتين عند الناس اليوم إلا أهل الدين والزهد في الدنيا وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون التمر فيتأولونه حلاوة دينهم ويرون العسل فيتأولونه قراءة القرآن والعلم والبر وحلاوة ذلك في قلوبهم فصارت تلك الحلاوة اليوم والهمة في عامة الناس في دنياهم ونضارتها إلا القليل ممن وصفت وقد يرى الكافر الرؤيا الصادقة حجة لله عليه. ألا ترى فرعون يوسف رأى سبع بقرات كما أخبر الله تعالى في كتابه فصدقت رؤياه.
ورأى بختنصر زوال ملكه وعظيم ما يبتلى به فصدقت رؤياه على ما عبرها له دانيال الحكيم.
ورأى كسرى زوال ملكه فصدقت رؤياه، فاعرف هذا المجرى في التأويل واعتبر عليه ترشد إن شاء الله تعالى.