والجهد في المكسب معركة قتال يستباح فيها النفس والعرض والمال والجاه، لا يؤمن فيه من شئ لشئ، ويتكدر فيه صفو العيش وترتحل لذة الحياة، ويحل محلها الضرب والشتم والسب واللعن والسعاية والنميمة والرقابة والمكر والمكيدة، واختلاف الأولاد وتشاجرهم وربما انجر الأمر إلى هم الزوجة باهلاك الزوج وقتل بعض الأولاد بعضا أو آبائهم، وتتبدل القرابة بينهم إلى الأوتار التي تسحب في الأعقاب سفك الدماء وهلاك النسل وفساد البيت، أضف إلى ذلك ما يسري من ذلك إلى المجتمع من الشقاء وفساد الأخلاق والقسوة والظلم والبغي والفحشاء وانسلاب الأمن والوثوق وخاصة إذا أضيف إلى ذلك جواز الطلاق فإباحة تعدد الزوجات والطلاق ينشئان في المجتمع رجالا ذواقين مترفين لا هم لهم إلا اتباع الشهوات والحرص والتولع على أخذ هذه وترك تلك، ورفع واحدة ووضع أخرى، وليس فيه إلا تضييع نصف المجتمع وإشقاؤه وهو قبيل النساء، وبذلك يفسد النصف الآخر.
هذا محصل ما ذكروه، وهو حق غير أنه إنما يرد على المسلمين لا على الإسلام وتعاليمه، ومتى عمل المسلمون بحقيقة ما ألقته إليهم تعاليم الاسلام حتى يؤخذ الإسلام بالمفاسد التي أعقبته أعمالهم؟ وقد فقدوا منذ قرون الحكومة الصالحة التي تربي الناس بالتعاليم الدينية الشريفة بل كان أسبق الناس إلى هتك الأستار التي أسدلها الدين ونقض قوانينه وإبطال حدوده هي طبقة الحكام والولاة على المسلمين، والناس على دين ملوكهم، ولو اشتغلنا بقص بعض السير الجارية في بيوت الملوك والفضائح التي كان يأتي بها ملوك الإسلام وولاته منذ أن تبدلت الحكومة الدينية بالملك والسلطنة المستبدة لجاء بحياله تأليفا مستقلا، وبالجملة لو ورد الإشكال فهو وارد على المسلمين في اختيارهم لبيوتهم نوع اجتماع لا يتضمن سعادة