الحديث الثالث:
عن عائشة رضي الله عنها وعن أبيها قالت:
دخل علي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في اليوم الذي بدئ فيه، فقال:
" ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا " ثم قال: " يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر ".
قائلا لم يكتب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) خوفا من أن تكون الخلافة وراثة فتنقلب ملكا عضوضا وتابع قوله: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعلن هذا الكلام ولم ينفذه..!!
فأقول: إن هذا الحديث موضوع، وضع مقابل الحديث المشهور في البخاري الذي يقول ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعدي ولما واجه القوم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بتلك الكلمة القارصة والعبارة الجارحة.
خاصة وهو في آخر أيامه من الدنيا رأى (صلى الله عليه وآله وسلم) أن من الحكمة والمصلحة أن يعدل عن كتابته حفاظا على الدين وقياما بما أوجبه (صلى الله عليه وآله وسلم) من تقديمهم الأهم على المهم لأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) نظر إلى صدور الشك منهم فعلم (صلى الله عليه وآله وسلم) أن ذلك الكتاب لا يرفعه ولن يرفعه أبدا كما أن عدوله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن كتابته لم يكن بعدم الفائدة فيه بعد تلك المعارضة وموافقة جمهور الصحابة لقائله. فحسب، بل لأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لو لم يعتن بقولهم، وكتبه، لقالوا فيما قلنا (كتبه وهو يهجر) أو مغلوب للوجع فهو يتكلم بكلام المرضى المحمومين الذي هو الهذيان والهذر.
وحينئذ تكون خلافة علي وبنيه الطاهرين من البيت النبوي (صلى الله عليه وآله وسلم) الثابتة بالنصوص القولية القطعية موضعا للشك وموردا للطعن، بل لا يبقى أثر لكتابة ذلك الكتاب سوى توسعة شقة الخلاف، واللغط بينهم على حد قول ابن عباس بل لا يؤمن من وقوع الفتنة من بعده في أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) هل هجر (والعياذ بالله) فيما كتب أو لم يهجر؟ كما تنازعوا وأكثروا من الاختلاف واللغط بحضرته (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي آخر أيام حياته (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يتسن له (صلى الله عليه وآله وسلم) يومئذ أكثر من أن يقول: " قوموا عني فلا ينبغي عند نبي تنازع " بل لو أصر، على كتابته لأصروا على قولهم هجر. وأكثروا في إشاعته ونشره، ولتوسع أتباعهم وأنصارهم في إثبات هجره (صلى الله عليه وآله وسلم) فسطروا الأساطير وملأوا الطوامير ردا منهم على ذلك الكتاب، وإسقاطا منهم له من الحساب وعن درجة الاعتبار لذلك