فتعال معي أخي القارئ الكريم إلى هذه المحاورة التي دارت بين عمر بن الخطاب وحبر الأمة عبد الله بن عباس، فهذه المحاورة تكشف عما كان يريده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من كتابة الكتاب، كما وردت في تاريخ الطبري، وابن الأثير وغيرهما من كتب من علماء أهل ألسنة:
" قال عمر بن الخطاب لابن عباس: يا بن عباس، أتدري ما منع قومكم منهم بعد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فكرهت أن أجيبه، فقلت: إن لم أكن أدري فإن أمير المؤمنين يدريني، فقال عمر: كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة فتبجحوا على قومكم بجحا بجحا، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت، فقلت:
يا أمير المؤمنين إن تأذن لي في الكلام وتمط عني الغضب تكلمت، قال:
تكلم، قلت: أما قولك يا أمير المؤمنين: اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت، فلو أن قريشا اختارت لأنفسها حيث اختار الله لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود، وأما قولك: إنهم أبوا أن تكون لنا النبوة والخلافة، فإن الله عز وجل وصف قوما بالكراهة، فقال: (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم). فقال عمر: هيهات والله يا بن عباس، قد كانت تبلغني عنك أشياء كنت أكره أن أقرك عليها فتزيل منزلتك مني " (1).
ولهذا يقول الدكتور طه حسين: " ولكن المسلمين لم يختاروه، خوف قريش أن تستقر الخلافة في بني هاشم إن صارت إلى أحد منهم... " (2).
ولهذا يقول عمر بن الخطاب: "... لقد كان - أي النبي - يربع في أمره وقتا ما، ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعته من ذلك إشفاقا وحيطة على الإسلام.
لا ورب هذه البنية لا تجتمع عليه قريش أبدا. ولو وليها لانتفضت عليه العرب في أقطارها فعلم رسول الله أنني علمت ما في نفسه فأمسك " (3).