حفظها وتصديقها، وجعلها منهاجا " تربويا " وتعليميا " لدولته، ومع الضغط والتكرار صدقها الناس، أو تظاهروا بتصديقها والإيمان بها حتى صار المسلم على يقين بأن مسبة علي بن أبي طالب وكره أهل بيت النبوة من الأمور التي تقربه من الله زلفى، وصارت محبة علي وأهل بيت النبوة وموالاتهم من جرائم الخيانة العظمى يعاقب مرتكبها بالموت وهدم الدار والتجريد من الحقوق المدنية والسياسية.
وهكذا هدم معاوية علنا " كافة الأسس التي بناها رسول الله وأقام بدلا " منها أسسا " ومبادئا " مناقضة لها تماما "، وانتصرت أحاديث الرسول على تلك المرويات الكاذبة التي رعى معاوية وولاته روايتها والتي تخدم أهدافه ومطامعه، وتجذر الخلاف والاختلاف بين المسلمين. أما النصوص النبوية الشرعية التي عالجت ظاهرة السلطة والقيادة من بعد النبي فقد اتبع معاوية سنة أسلافه بمنع روايتها وكتابتها وفرض حالة من التعمية عليها، وزاد عنهم بحملته الرهيبة الهادفة إلى محاربتها ونقضها والتشكيك بكل ما فيها وتجنيد كل طاقات دولة الخلافة لخلط الأوراق وتجذير الخلاف والاختلاف، وجاء الخلفاء من بعد معاوية ليجدوا منهاجا "، تربويا " وتعليميا " مستقرا " فآمنوا به صدقوه، وساروا عليه وهم يعتقدون صوابه.
لا يصلح العطار ما أفسد الدهر عندما آلت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز أدرك خطورة ما فعله الذين سبقوه من الخلفاء بفرضهم الخطر على رواية أحاديث الرسول وكتابتها في الوقت نفسه الذي أباحوا فيه رواية الأساطير والخرافات الإسرائيلية والشركية وكتابتها وتداولها.
وقدر عمر بن عبد العزير أنه إذا ما استمر حظر رواية أحاديث الرسول وكتابتها فإن سنة الرسول ستندرس لا محالة، لذلك أمر واليه على المدينة بأن يباشر على الفور بجمع ما تبقى من أحاديث رسول الله وكتابتها. واهتز مجتمع دولة الخلافة وهاجت الأمة وماجت وتساءلت: كيف يجرؤ عمر بن عبد العزيز على فعل ما يتعارض مع سنة أبي بكر وعمر؟ وتعاضد الملأ الرسمي وأجهضوا مشروع الخليفة، وظلت سنة أبي بكر وعمر سارية بفرض استمرار الحظر على رواية أحاديث الرسول وكتابتها