ساعات من النهار فقال: يا محمد إن الله يقرئك السلام ويقول لك: يا أيها الرسول (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس).
على أن قوله سبحانه وتعالى (وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) يدل دلالة واضحة بأن الرسالة انتهت أو هي على وشك النهاية، وإن بقي فقط أمر مهم لا يكتمل الدين إلا به.
كما تشعر الآية الكريمة بأن الرسول كان يخشى تكذيب الناس له إذا ما دعاهم لهذا الأمر الخطير، ولكن الله سبحانه لم يمهله للتأجيل فالأجل قد قرب، وهذه الفرصة هي أحسن الفرص وموقفها هو أعظم المواقف إذ اجتمع معه صلى الله عليه وآله وسلم أكثر من مائة ألف رافقوه في حجة الوداع وما زالت قلوبهم عامرة بشعائر الله مستحضرة نعي الرسول نفسه إليهم.
وقوله لهم: لعلي لا ألقاكم بعد عامكم هذا ويوشك أن يأتي رسول ربي وادعى فأجيب، وهم سيفترقون بعد هذا الموقف الرهيب للعودة إلى ديارهم ولعلهم لا تتاح لهم فرصة اللقاء مرة أخرى بهذا العدد الكبير، وغدير خم هو مفترق الطرقات فلا يمكن لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم أن يفوت هذه الفرصة بأي حال من الأحوال. كيف وقد جاءه الوحي بما يشبه التهديد على أن كل الرسالة منوطة بهذا البلاغ والله سبحانه قد ضمن له العصمة من الناس فلا داعي للخوف من تكذيبهم فكم كذبت رسل من قبله ولكن لم يثنهم ذلك عن تبليغ ما أمروا به فما على الرسول إلا البلاغ، ولو علم الله مسبقا بأن أكثرهم للحق كارهون (1) ولو علم بأن منهم مكذبين (2) ما كان سبحانه ليتركهم بدون إقامة الحجة عليهم لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا