همز جواده وانطلق إلى الحسين قائلا: هل من توبة يا بن رسول الله، ولم أتمالك عند سماع هذا أن سقطت على الأرض باكيا وكأني أمثل دور الحر وأطلب من الحسين: هل من توبة يا ابن رسول الله، سامحني يا ابن رسول الله، وكان صوت الخطيب مؤثرا، وارتفعت أصوات الناس بالبكاء والنحيب عند ذلك سمع صديقي صياحي وانكب علي معانقا، باكيا وضمني إلى صدره كما تضم الأم ولدها وهو يردد يا حسين، يا حسين، كانت دقائق ولحظات عرفت فيها البكاء الحقيقي وأحسست وكان دموعي غسلت قلبي وكل جسدي من الداخل وفهمت وقتها حديث الرسول: (لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا).
بقيت كامل اليوم مقبوض النفس وقد حاول صديقي تسليتي وتعزيتي وقدم إلي بعض المرطبات ولكن شهيتي انقطعت تماما، وبقيت أسأله أن يعيد علي قصة مقتل سيدنا الحسين، لأني ما كنت أعرف منها قليلا أو كثيرا غاية ما هناك أن شيوخنا إذا حدثونا عن ذلك يقولون أن المنافقين أعداء الإسلام الذين قتلوا سيدنا عمر وسيدنا عثمان وسيدنا علي هم الذين قتلوا سيدنا الحسين، ولا نعرف غير هذا الاقتضاب بل إننا نحتفل بيوم عاشوراء على أنه من الأعياد الإسلامية وتخرج فيه زكاة الأموال وتطبخ فيه شتى المأكولات وأنواع الأطعمة الشهية، ويطوف الصبيان على الكبار ليعطوهم بعض النقود لشراء الحلويات والألعاب.
صحيح أن هناك بعض التقاليد والعادات في بعض القرى منها أنهم يشعلون النار، ولا يعملون في ذلك اليوم ولا يتزوجون ولا يفرحون، ولكن نسميها عادات وتقاليد بدون ذكر أي تفسير لها، ويروي علماؤنا في ذلك أحاديث عن فضائل يوم عاشوراء وما فيه من بركات ورحمات أنه أمر عجيب!.
زرنا بعد ذلك ضريح العباس أخي الحسين، ولم أكن أعرف من هو وقد روى لي صديقي قصة بطولته وشجاعته، كما التقينا بالعديد من العلماء الأفاضل الذين لا أتذكر أسماءهم بالتفصيل سوى بعض الألقاب، كبحر العلوم والسيد الحكيم وكاشف الغطاء وآل ياسين والطباطبائي والفيروزآبادي وأسد حيدر وغيرهم ممن تشرفت بمقابلتهم.