من التحالفات مع بطون الأوس والخزرج، وظهر اليهود بمظهر الموالين لمحمد أو الراضين بقيادته المستبشرين بعهده خيرا، كل هذه الأسباب الموضوعية دعت رسول الله لاعتبار سكان يثرب وما حولها بما فيهم اليهود مع من هاجروا من أهل مكة أمة واحدة متميزة عن غيرها من الناس، واعتبار المدينة وطنا للجميع بما فيهم اليهود وحماية هذا الوطن من مسؤولية الجميع، واعترف بالتحالفات القبلية السابقة لقدومه، وتركها على حالها، وأعطى كافة هذه التشكيلات الحرية بإدارة شؤونها، وعند اختلافها فهو المرجع كل هذه الخلافات، واعتبر النبي أعلى سلطة في البلاد، وقد وضع النبي هذه الترتيبات على شكل دستور، وافق عليه كل سكان المدينة بما فيهم اليهود، أو تظاهروا بالموافقة ولم يعترض عليها منهم أحد، وأخذت هذه الترتيبات صفة التعاقد. وقد جاء في هذه الترتيبات ما يلي وبالحرف (وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة (الدستور) وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم) 372 وقد حللنا هذه الصحيفة فيما سبق. راجع سيرة ابن هشام ج 1 ص 501 ومجموعة الوثائق السياسية لمحمد حميد الله ونظام الحكم في الشريعة والتاريخ لظافر القاسمي ص 31 ومن المؤكد أن اليهود قد فهموا مضمون الصحيفة، ووافقوا عليها، أو على الأقل لم يعترضوا، وليس هنالك ما يمنعهم من الاعتراض عليها، فتحالفاتهم مع البطون ما زالت قائمة، ومعهم كافة المنافقين، ومحمد لم تثبت أقدامه بعد في يثرب، واليهود أهل مال وقوة ولهم نفوذ، ومع هذا لم يرو أحد بأن اليهود قد اعترضوا على هذه الترتيبات، وكلما روى يفيد بأنهم قد قبلوا بها أو تظاهروا بالقبول، وقد ذهب المؤرخون والرواة وأصحاب
(٢٧٤)