المواجهة مع رسول الله - أحمد حسين يعقوب - الصفحة ٢٧٣
وبطون الخزرج تطمع بذلك. لقد أدركت بطون الأوس والخزرج أن الإسلام صار هو درب الحياة الوحيد، وتذكرة المواطنة، وطريق المستقبل، والمفتاح إلى كل دور من أدوار الحياة. فأرادت الأوس أن تسبق الخزرج، وأراد الخزرج مثل ذلك ووسيلة السبق هو الإسلام وموالاة النبي أو التظاهر بهما ولم يبق رجل من رجالات بطون هاتين القبيلتين إلا وقد أسلم أو تظاهر بالإسلام وفي هذا المناخ التنافسي ظهرت ظاهرة النفاق على أوسع نطاق، حيث يظهر أهله الإسلام والموالاة ويبطنون الكفر والحقد على محمد وآله.
أما اليهود فقد كانوا أكثر وضوحا حيث أعلن عدد قليل منهم اعتناقه للإسلام، وبقيت الأكثرية الساحقة منهم على دينها، ولم يكرههم النبي على ترك دينهم واعتناق دينه، ولم يغضب منهم أو يحقد عليهم، بل كان يأمل أن يكونوا أكثر تفهما له، وتعاطفا معه، فهم من نسل إسحاق النبي، ومحمد من نسل إسماعيل النبي، وإسحاق وإسماعيل إخوة فهما ابنا إبراهيم عليهم السلام، بمعنى أنهم أبناء عمومة، ومن جهة ثانية فهم أهل كتاب، وقد أحيطوا علما بأخبار الرسل والأنبياء، وقبل إعلان النبوة المحمدية، كان اليهود يستفتحون على المشركين العرب ويؤكدون لهم أن نبيا سيظهر، وأن هذا النبي هو بشرى أنبياء بني إسرائيل الذين سبقوه، ولأن النبي حيادي وموضوعي وليس عنده حكم مسبق فقد كان يتوقع خيرا من اليهود، ويظن أنه بوقت يطول أو يقصر سيقتنع اليهود به ويدخلون في دينه ويستفيد الإسلام من تجارب اليهود الإيمانية السابقة ومما وسع أفق هذا التفائل، ارتباط اليهود بسلسلة متماسكة
(٢٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 ... » »»