وباختصار كان يريد منها (أن توقف إعلامها ضده، وأن تخلي بينه وبين العرب،) ولقد أحيطت البطون علما بمطلب محمد، ولكنها رفضته رفضا قاطعا ودخلت معه بمواجهة عسكرية مسلحة استمرت ستة سنوات بعد الهجرة.
لقد أعطى اتفاق الحديبية محمدا كل ما يريده، (من أحب أن يدخل في عهد محمد وعقده وفعل) وهذا البند عام يشمل العرب والعجم ومعناه إن قريش تترك الحرية لأي مجموعة بشرية لتدخل في عهد محمد وعقده.
وهذا بحد ذاته انقلاب، لأن أعلام البطون كان يصور محمدا وكأنه ابن عامة من أبنائها خرج عليها، وكأن الصراع بينها وبينه هو صراع عائلي بين عشيرة كبرى وبين فرد خارج عليها، وبهذه الحالة فإن لم تقف العرب مع العشيرة الكبرى فإنها لن تقف مع ابن العشيرة الخارج عليها.
وجاء اعتراف البطون بحق محمد باستقطاب العرب حوله ليقلب كل المفاهيم وليلقي دفعة واحدة آثار أعلام البطون. وليخلق مناخا جديدا للدعوة وجالا رحيبا للدولة الإسلامية، فدين محمد قائم على السلام، والكلمة الطيبة والإقناع، واحترام العقل وتقديس الحوار الجدي الباحث عن الحقيقة المجردة فإذا وجدت الحرية، ورفع الحرج، وسمع الناس حجة محمد، وقارنوها مع حجة البطون وأعلامها فسيدخلون بالضرورة في عهد محمد وعقده، وبوقت يطول أو يقصر ستجد بطون قريش نفسها معزولة، فهي لا تدعي بدين جديد، وليس لديها ما تقدمه، ومع الأيام تصبح جزيرة ظلمات وسط نور باهر، فلذلك كان هذا الاتفاق فتحا حقيقيا لمكة، وهزيمة ساحقة لبطون قريش، وكان نصرا مؤزرا لدبلوماسية الرسول التي حصدت ثمار المواجهة المسلحة مع البطون أفضل حصاد، وبأقرب الطرق وأيسرها، وحققت كل ما كان يتمناه النبي صلى الله عليه وآله وتحديد مدة الصلح بعشر سنين غير ملزم، فإذا أخلت البطون بهذا الاتفاق، فهي التي ينبغي أن تدفع الثمن وأن تواجه قوة تقوى ولا تضعف، وبهذه الحالة فإن محمدا بحل منها، وحدث هذا بالفعل