فالساحة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان فيها جميع التيارات، وكان فيها مجموعة حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا، ويبدو من قراءة الأحداث أنه كان في الساحة مجموعة من أصحابه أخذت في اعتبارها أن ولاية علي بن أبي طالب قد تؤدي إلى أحداث اعتقدوا أنها يمكن أن تعصف بالدعوة، فاختاروا حلا وسطا، يبعد به علي بن أبي طالب عن مركز الصدارة، وتظل به الدعوة قائمة، ويشهد بذلك قول أبي بكر - رضي الله عنه - لرافع بن أبي رافع حين عاتبه على توليه الخلافة: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبض والناس حديثو عهد بكفر، فخفت أن يرتدوا وأن يختلفوا فدخلت فيها وأنا كاره) (1)، وفي رواية قال: (تخوفت أن تكون فتنة يكون بعدها ردة) (2)، ويشهد به - أيضا - قول عمر بن الخطاب أثناء خلافته: (إن بيعة أبي بكر كانت فلتة) (3)، قال في لسان العرب: (يقال: كان ذلك الأمر فلتة، أي فجأة، إذا لم يكن عن تدبر ولا ترو، والفلتة: الأمر يقع من غير إحكام، وفي حديث عمر أراد فجأة وكانت كذلك، لأنها لم ينتظر بها العوام، وقال ابن الأثير في حديث عمر: والفلتة كل شئ فعل من غير روية، وإنما بودر بها خوف انتشار الأمر) (4).
ويشهد به قول عمر لابن عباس: (يا ابن عباس، ما منع قومكم منكم؟ قال:
لا أدري، قال: لكني أدري، يكرهون ولايتكم لهم، يكرهون أن تجتمع فيكم النبوة والخلافة) (5)، وزاد في رواية: (فاختارت قريش لنفسها فأصابت ووفقت) (6).
وروي أن عمر بن الخطاب - عندما اختلف بعض الأنصار مع بعض المهاجرين في سقيفة بني ساعدة، على من الذي يتولى الخلافة ومن يتولى