وعليه، فإن أبا ذر كان قد أخرجه عثمان قهرا. ويدل على ذلك ما رواه الواقدي: " إن أبا الأسود الدؤلي قال: كنت أحب لقاء أبي ذر لأسأله عن سبب خروجه، فنزلت الربذة، فقلت له: ألا تخبرني، خرجت من المدينة طائعا، أم أخرجت؟ فقال: " كنت في ثغر من ثغور المسلمين، أغنى عنهم فأخرجت إلى المدينة، فقلت: أصحابي، ودار هجرتي، فأخرجت منها إلى ما ترى ".
وفي يوم الدار حيث اقتحم الثوار بيت عثمان، ودخل محمد بن أبي بكر على عثمان.
قال ابن خلدون: " ودخل عليه محمد بن أبي بكر فحاوره طويلا بما لا حاجة إلى ذكره، ثم استحيا وخرج. ثم دخل عليه السفهاء فضربه أحدهم " (93).
وليت شعري - هذه المرة - أي حوار طويل هذا الذي جرى بين الاثنين، وعلى أي أساس رأى ابن خلدون عدم الحاجة إلى ذكره، وكيف أن محمد بن أبي بكر استحيا وخرج؟!.
وهلا استحيا وهو يسير إليه من مصر إلى المدينة في وفد كبير. دعنا ننقل ذلك الحوار الطويل لنرى هل فعلا لا تدعونا الحاجة إلى ذكره أم لا.
لما دخل محمد بن أبي بكر على عثمان قال له هذا الأخير: ويحك! أعلى الله تغضب! هل لي إليك جرم إلا أني أخذت حق الله منك؟ فأخذ محمد بلحيته، وقال: أخزاك الله يا نعثل!.
قال: لست بنعثل، ولكني عثمان وأمير المؤمنين، فقال: ما أغنى عنك معاوية وفلان وفلان!.
فقال عثمان: يا ابن أخي، دعها من يدك، فما كان أبوك ليقبض عليها، فقال: لو عملت ما عملت في حياة أبي ليقبض عليها، والذي أريد بك أشد من قبضتي عليها. فقال: استنصر الله عليك وأستعين به، فتركه وخرج، وقيل: بل طعنه في جبينه بمشقص كان في يده (94).