ذكر المسعودي: " إن معاوية كتب إلى عثمان: إن أبا ذر تجتمع إليه الجموع، ولا آمن أن يفسدهم عليك، فإن كان لك في القوم حاجة فاحمله إليك، فكتب إليه عثمان بحمله، فحمله على بعير عليه قتب يابس معه خمسة من الصقالبة يطيرون به، حتى أتوا به المدينة وقد تسلخت بواطن أفخاذه وكاد أن يتلف، فقيل له: إنك تموت من ذلك، فقال: هيهات لن أموت حتى أنفى، وذكر جوامع ما ينزل به بعد، ومن يتولى دفنه، فأحسن إليه في داره أيام، ثم دخل إليه فجلس على ركبتيه وتكلم بأشياء.
وكان في ذلك اليوم قد أتى عثمان بتركة عبد الرحمن بن عوف من المال، فنثرت البدر حتى حالت بين عثمان وبين الرجل القائم، فقال عثمان: إني لأرجو لعبد الرحمن خيرا، لأنه كان يتصدق، ويقري الضيف، وترك ما ترون، فقال كعب الأحبار: صدقت يا أمير المؤمنين، فشال أبو ذر العصا، فضرب بها رأس كعب، ولم يشغله ما كان فيه من الألم وقال: يا ابن اليهودي تقول لرجل مات وترك هذا المال: إن الله أعطاه خير الدنيا وخير الآخرة، وتقطع على الله بذلك، وأنا سمعت النبي (ص) يقول: " ما يسرني أن أموت وأودع ما يزن قيراطا " فقال له عثمان: وار عني وجهك، فقال: أسير إلى مكة، قال: لا والله، قال: فتمنعني من بيت ربي أعبده فيه حتى أموت؟ قال: إي والله، قال: فإلى الشام، قال:
لا والله، فاختر غير هذه البلدان، قال: لا والله ما أختار غير ما ذكرت لك، ولو تركتني في دار الهجرة ما أردت شيئا من البلدان، فسيرني حيث شئت من البلاد، قال؟ فإني مسيرك إلى الربذة ".
أما ما ادعاه ابن خلدون من أن عثمان أعطى أبا ذر ما يكفيه من رزق، فهذا ما لا يشتد له ظهر أيضا، لما علمنا من أن أبا ذر كانت له حساسية كبيرة من المال الحرام، وأنه ما ثار إذ ثار إلا على هذا التبذير والترف، والتصرف اللامسؤول في أموال المسلمين، والثابت في الرواية هو أن أبا ذر مات هو وأبناءه من شدة الجوع، حتى أن زوجته لم تجد له كفنا، وكان بعض السيارة قد دفنوه بعد ذلك (91).
ذكر صاحب المروج: " قال عثمان: فإني مسيرك إلى الربذة، قال: الله