فقالت: إنهم استتابوه ثم قتلوه وانصرفت إلى مكة (91).
هذا تلبيس يهدف إلى وضع مقدمة مضللة لحادثة الجمل. وإذا كان ابن خلدون قد اعتقد في أمر الجمل على ابن جرير الطبري، فإنه لم يأخذ عنه موقف عائشة من مقتل عثمان. لقد انتهى ما يمكنه من سبك كلامه من دون أن يهدم صرح التلبيس فيما ينتحله من مواقف وأحداث. يقول:
" وهذا أمر الجمل ملخص من كتاب أبي جعفر الطبري اعتمدناه للوثوق به لسلامته من الأهواء الموجودة في كتب ابن قتيبة وغيره من المؤرخين (97) ".
لقد عمل ابن خلدون على انتقاء الروايات التي من شأنها، التشويش على القارئ، فجعلها بحيث يختفي منها موقف عائشة من مقتل عثمان، حين قال:
فقال لها الرجل ولم أنت كنت تقولين ما قلت؟ وماذا قالت عائشة؟... ابن خلدون يسكت!.
لكن الطبري وهو المعتمد عند بن خلدون، ينقل ما كانت تقوله عائشة في عثمان. وهو قولها: اقتلوا نعثلا فقد كفر.
هذه الكلمة هي التي دفعت ابن خلدون إلى تعويضها ب: تقولين ما قلت؟
وسوف ننقل ما دار بين الرجل وعائشة، بمزيد من الايضاح.
ذكر ابن خلدون، إن رجلا من بني ليث أخوالها لقيته في طريقها، وكان ذلك منه تلبيسا في القضية. وحتى يبعد القارئ عن الاسم الذي ذكره المؤرخون، كي لا يقفوا على تفاصيل الكلام.
فالرجل الذي قال عنه ابن خلدون، من بني ليث أخوالها. هو ما عرفه المؤرخون بعبيد بن أم كلاب. وهو رجل ينسب إلى أمه. وهو عبيد بن أبي سلمة الليثي.. وباسم بن أم كلاب اشتهر، وكذلك ما دار بينه وبين عائشة من كلام، وذكر ذلك كل من الطبري وابن الأثير وآخرون.