أكبر، صدق رسول الله (ص) قد أخبرني بكل ما أنا لاق، قال عثمان: وما قال لك؟ قال: أخبرني بأني أمنع عن مكة والمدينة وأموت بالربذة، ويتولى مواراتي نفر ممن يردون من العراق نحو الحجاز، وبعث أبو ذر إلى جمل له فحمل عليه امرأته، وقيل: ابنتيه، وأمر عثمان أن يتجافاه الناس حتى يسير إلى الربذة. ".
إن إخراج أبي ذر إلى الربذة من قبل عثمان وتضايق التيار الأموي به، هو من المشهورات في التاريخ الإسلامي، ولو كان اختيارا منه الخروج إلى الربذة، إذن لما أغلظ عثمان على من شيعه في الطريق بأشد مما تكون الغلظة. ولما حدث بينه والإمام علي (ع) في شأنه من تلك المشادات.
كان ابن خلدون يحاول من وراء ذلك تبرئة عثمان وتخطئة معارضيه مرة متهما إياهم بالسفه ومرة بقلة العلم وأخرى بسوء الفهم، وينسى إنه كم مرة اعترف هو نفسه بمفاسد عثمان من حيث لا يشعر وعرض ما يؤكد ذلك الوضع السئ وتلك الصورة البشعة التي كانت عليها خلافة عثمان. (92).
قال ابن خلدون:
" وقيل: إن عليا لما رجع عن المصريين أشار على عثمان أن يسمع الناس ما اعتزم عليه من النزوع قبل أن يجئ غيرهم ففعل وخطب بذلك، وأعطى الناس من نفسه التوبة وقال: أنا أول من اتعظ، استغفر الله مما فعلت وأتوب إليه، فليأت أشرافكم يروني رأيهم، فوالله إن ردني الحق عبد لأستن بسنة العبد ولأذلن ذل العبد، وماعن الله مذهب إلا إليه فوالله لأعطينكم الرضى ولا أحتجب عنكم. ثم بكى وبكى الناس ودخل منزله ".
إذن، فابن خلدون يذكر أن عثمان اعترف بالذنب، وأنه استغفر الله وتاب و أعطى للناس من نفسه التوبة " ونقول لابن خلدون على من تكون هذه التوبة إن كان معارضوه ممن يجب في حقهم التوبة والاستغفار. وعلى من استغفر عثمان، وبما اتعظ. أو لا يدل ذلك على أنه أتى من كبائر الإثم والذنوب ما أمسى ظاهرا للجميع. فكيف يبرئ بن خلدون من اعترف بالذنب وأقر بالخطيئة.