خلدون رواية عبد الله بن سبأ من دون النظر في مداخيلها، أخذها بعد أن وضع عقله في القفص، وانقاد إليها بسذاجة المقلدين، الذين طالما عاتبهم ابن خلدون على التلقي غير الواعي، واللامنتج، الذي لا يتم فيه التمحيص للخبر، قال ابن خلدون:
" هذا آخر الكلام في الخلافة الإسلامية وما كان فيها من الردة والفتوحات والحروب، ثم الاتفاق والجماعة أوردتها ملخصة عيونها ومجامعها من كتب محمد بن جرير الطبري، وهو تاريخه الكبير، فإنه أوثق ما رأيناه في ذلك وأبعد عن المطاعن، والشبه في كبار الأمة من خيارهم وعدولهم من الصحابة والتابعين (77) ".
إذن، ابن خلدون أخذ هذه الرواية عن الطبري. ونلاحظ أنه لم يأخذ عنه الروايات التي تدين عثمان أو الخلفاء. فهو إذن ينتقي. وفي انتقائه ذاك يعبر عن إعنات مفرط، وانتحال للأخبار موقع في التلبيس. وقد سبق أن رأينا كيف طوى كشحا عن تلك الروايات الكثيرة عند الطبري في أمر وفاة الرسول (ص) والسقيفة، ورأينا كيف كان من دأبه أن يروي الأساطير في تعزيز مذهبه التاريخي، نظير ما جاء في مقتل سعد بن عبادة من قبل الجن، وهو بذلك يؤكد على الطبيعة السحرية لمنهجه التاريخي. ومثل تلك الأساطير التي اعتمدها لما تنطوي عليه من تعتيم على انحراف خلافة عثمان وعلى مجريات الأحداث.
ولا يهمنا هنا مناقشة صميم الرواية. فيكفي أن يراجع القارئ ما أثبته الأستاذ العسكري. وإنما أريد أن أؤكد على تهافت ابن خلدون في سرده لهذه الرواية بشكل يثير القرف ويبعث على الغثيان.
إنه مرة يؤكد أنه - أي ابن سبأ - ذهب إلى البصرة حيث حكيم بن جبلة..
وكان هذا الأخير حسب شهادة ابن خلدون ممن أخرج ابن سبأ إلى الكوفة. ومنها ذهب إلى مصر حيث التقى بعمار.
من خلال هذه القصة يعتقد ابن خلدون بأن أتباع ابن سبأ الرموز كانوا هم عمار وأبو ذر.