الخلافة المغتصبة - إدريس الحسيني المغربي - الصفحة ١٦٦
الزئبق، فكيف يحرق علي (ع) أحدا من كان، وهو الذي اعترض على حرق أبي بكر للفجاءة، وكيف يحرق كل السبئيين ويبقى على زعيمهم ويطلق له العنان، وكيف ينال منهم ويحرقهم وهو يعظم ويجلل أحد رموز السبئية على حد تعبير المؤرخين، وهو عمار بن ياسر، بل لقد ولاه وأعزه وكان ساعده الأيمن، ولست أدري إن كان عبد الله بن سبأ حقيقة معاصرة لتلك الأحداث، كيف لا يتعقبه معاوية بعد أن أثبتوا أن عبادة جاء به إلى معاوية، كيف لم يقتله أو يبعث من يقتله، ولم نعثر على قولة لمعاوية ولا للعثمانية فيه على الرغم من أنه رقم واحد في الأحداث التي عصفت بعثمان على حد تعبيرهم، وبعد أن كان معاوية يترصد كل أعداء وقاتلي عثمان، وكان يقول اقتلوهم تحت كل حجر ومذر.
إن الاضطراب في هذا الخبر يكشفه المحقق لأول وهلة، فابن سبأ هذا رجل لم يدقق فيه المخبرون، ولم يعطوا أدلة قاطعة تمكن المطلعين من معرفة حقيقة نسبه وطبيعة نشاطه، ماذا قال عنه أرباب السير ورواد التأريخ والتراجم، أكان حدادا أم نجارا، أكان طويلا أم قصيرا، نحيلا أم مربوعا، بل كل ما في الأمر إن أهل الملل والنحل دأبوا على تلقف الحكايات تلقف الصبية للكرة، من دون أعمال العقل فيها والنظر، فهمهم إضافة اسم جديد لفرقة يسودون بها أسفارهم، ويكشكلون، بالشاذ والغريب، رواياتهم.
إنه لمن العار يا ناس، أن يتم التعسف على التاريخ بهذا الشكل المهول المريع .. إن التأليه لم يكن في عهد علي (ع) في أكثر التقادير، لم يكن أحد يدعي أن عليا (ع) إلها، إنها تهمة في ظني نشأت متأخرة، وبالضبط في العصرين الأموي والعباسي، لقد اعترفوا من حيث لا يشعرون إن التشيع لعلي (ع) في العصر الأول لم يكن يعني أكثر من الولاء السياسي.
حتى عصر الإمام الصادق (ع) الإمام السادس من أئمة أهل البيت فيأخذ التشيع صبغته الايديولوجية والمذهبية (81) وفي نفس الوقت يعتبرون التشيع من وحي

(81) اعتبر كثير من المحققين والكتاب، أن التشيع الأول، يأخذ طابعا سياسيا. يقول في ذلك مثلا، د. إبراهيم بيضون: والسبئية أسطورة كانت أم حقيقة، هي على هامش التشيع ومتناقضة في الصميم مع الفكر الشيعي، بخلفيته السياسية البحتة، الدولة الأموية والمعارضة ص 45 الطبعة الثانية بيروت وذكر صاحب التاريخ الإسلامي (محمود شاكر) حول الخلفاء الراشدين والعهد الأموي: (بل لم تكن كلمة الشيعة تحمل أكثر من معنى التأييد والمناصرة. ولكنها غدت مع الزمن فكرا خاصا وعقيدة خاصة، ونسب إلى الأوائل أقوال لم يقولوها وأخبار لم يعرفوها، وأفكار لم تخطر على بالهم أبدا). وثبت عندي إن الجابري تلقفها من محمود شاكر، عندما قال: يجمع المؤرخون على أن التشيع لعلي ابن أبي طالب وأبنائه من بعده لم يتجاوز مستوى الولاء السياسي ص 334 - 335، بنية العقل العربي، المركز الثقافي العربي.
(١٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة 7
2 مدخل 17
3 حركة النفاق في المجتمع الاسلامي 17
4 التدابير النبوية في تركيز الإمامة 26
5 نتيجة المدخل 35
6 النفاق والنهاية المفتعلة 43
7 الباب الأول الخلفاء الراشدون حبكة مفتعلة! الفصل الأول: الاصطلاح والمفهوم 53
8 أهل البيت والأعلمية 69
9 الخلفاء ما داموا مارسوا الخلافة 80
10 السقيفة والمعارضة 84
11 الخلفاء ما داموا صحابة 89
12 الفصل الثاني: الخلفاء والواقع التاريخي موقف الإمام علي (ع) مثالا 95
13 الباب الثاني أزمة تاريخ أم أزمة مؤرخين؟ نموذج ابن خلدون التاريخ لماذا؟ 113
14 لماذا ابن خلدون؟ 117
15 ابن خلدون ووفاة الرسول (ص) وبدء الخلافة! 122
16 في مسألة تجهيز جيش أسامة 124
17 فتح باب أبي بكر، وذكر الخلة! 131
18 صلاة أبي بكر 135
19 خبر السقيفة 143
20 سعد الخزرجي وأساطير الجن 148
21 خلافة عمر 153
22 عثمان والفتنة 160
23 ابن خلدون ومعاوية بن أبي سفيان! 180
24 كربلاء.. نموذجا آخر 185
25 شبهات ابن خلدون والرد عليها 196
26 الباب الثالث عبقريات في الميزان أوهام مقدسة 209
27 العبقرية 211
28 الذاكرة أساس الشخصية 214
29 الخليفة الثاني عمر بن الخطاب 224
30 عثمان بن عفان 230
31 غاية الكلام في الثالثة 233
32 خاتمة 235