الزئبق، فكيف يحرق علي (ع) أحدا من كان، وهو الذي اعترض على حرق أبي بكر للفجاءة، وكيف يحرق كل السبئيين ويبقى على زعيمهم ويطلق له العنان، وكيف ينال منهم ويحرقهم وهو يعظم ويجلل أحد رموز السبئية على حد تعبير المؤرخين، وهو عمار بن ياسر، بل لقد ولاه وأعزه وكان ساعده الأيمن، ولست أدري إن كان عبد الله بن سبأ حقيقة معاصرة لتلك الأحداث، كيف لا يتعقبه معاوية بعد أن أثبتوا أن عبادة جاء به إلى معاوية، كيف لم يقتله أو يبعث من يقتله، ولم نعثر على قولة لمعاوية ولا للعثمانية فيه على الرغم من أنه رقم واحد في الأحداث التي عصفت بعثمان على حد تعبيرهم، وبعد أن كان معاوية يترصد كل أعداء وقاتلي عثمان، وكان يقول اقتلوهم تحت كل حجر ومذر.
إن الاضطراب في هذا الخبر يكشفه المحقق لأول وهلة، فابن سبأ هذا رجل لم يدقق فيه المخبرون، ولم يعطوا أدلة قاطعة تمكن المطلعين من معرفة حقيقة نسبه وطبيعة نشاطه، ماذا قال عنه أرباب السير ورواد التأريخ والتراجم، أكان حدادا أم نجارا، أكان طويلا أم قصيرا، نحيلا أم مربوعا، بل كل ما في الأمر إن أهل الملل والنحل دأبوا على تلقف الحكايات تلقف الصبية للكرة، من دون أعمال العقل فيها والنظر، فهمهم إضافة اسم جديد لفرقة يسودون بها أسفارهم، ويكشكلون، بالشاذ والغريب، رواياتهم.
إنه لمن العار يا ناس، أن يتم التعسف على التاريخ بهذا الشكل المهول المريع .. إن التأليه لم يكن في عهد علي (ع) في أكثر التقادير، لم يكن أحد يدعي أن عليا (ع) إلها، إنها تهمة في ظني نشأت متأخرة، وبالضبط في العصرين الأموي والعباسي، لقد اعترفوا من حيث لا يشعرون إن التشيع لعلي (ع) في العصر الأول لم يكن يعني أكثر من الولاء السياسي.
حتى عصر الإمام الصادق (ع) الإمام السادس من أئمة أهل البيت فيأخذ التشيع صبغته الايديولوجية والمذهبية (81) وفي نفس الوقت يعتبرون التشيع من وحي