الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٣٠٥
فلما جاءهم عرفوا أنه هو انطباق ما كان عندهم من أوصاف عليه كفروا (138). وقد روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لو آمن بي عشرة من أحبار اليهود لآمن بي كل يهودي على وجه الأرض) (139) أي لو صدق برسالتي وما جئت به عشرة من علماء اليهود ورؤسائهم الذين يقتدى بهم، لقادوا سائرهم إلى الدخول في الإسلام.
لقد كان النبي يريد أن يؤمن قادة اليهود. ولكن قادة اليهود انطلقوا في عالم الطمس يتبعهم الظالمون من النصارى. ولن يغني عنهم إيمانهم بأنبياء بني إسرائيل. لأنهم فرقوا بين الله ورسله، فقالت اليهود آمنا بموسى، ثم كفروا بعيسى ومحمد. والتوراة التي بأيديهم لا تحمل إلا ملامح باهتة عن موسى.
وقالت النصارى آمنا بموسى وعيسى وكفروا بمحمد. والأناجيل التي بأيديهم منسوبة إلى تلاميذ يؤرخون لحياة المسيح وما وقع بينه وبين اليهود. وهي أولا لا تتفق فيما بينها في كثير من المعاني. وثانيا فإنها تقول بالتثليث بينا التوراة لا تقول به. وهكذا فرقوا بين الله ورسله وكتبه. وحكم الله حكمه الحق بأنهم كافرون بالله ورسله جميعا. قال تعالى: (إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا * أولئك هم الكافرون حقا واعتدنا للكافرين عذابا مهينها * والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما) (140) فالكفر بالبعض والإيمان بالبعض. ليس إلا تفرقة بين الله ورسله. ولا سبيل إلى الله إلا الإيمان به وبرسله جميعا. فإن الرسول ليس له من نفسه شئ. ولا له من الأمر من شئ. فالإيمان به إيمان بالله. والكفر به كفر بالله. لقد كانت الرسالة المحمدية هي الباب الأخير الذي بدخوله ينجوا بني إسرائيل من العذاب الذي دق أوتاده سلفهم حول العجل يوما ما. كان الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو طوق النجاة الذي ينشلهم من

(138) الميزان: 222 / 1.
(139) رواه محمد وأبو داود - الفتح الرباني: 102 / 1.
(140) سورة النساء، الآيات: 150 - 152.
(٣٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 ... » »»
الفهرست