الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٣٠٩
عن المعارف الحقة الدينية، طمس لها عن حقائق سعادة الحياة الدنيا بجميع أقسامها، فالمحروم من سعادة الدين، محروم من سعادة الدنيا. من استقرار الحال وتمهد الأمن وكل ما يطيب به العيش.
وآية الطمس ختمها الله بقوله: (وكان أمر الله مفعولا) أي أن الأمر لا محالة واقع (147) فأمره سبحانه لا يخالف ولا يمانع (148).
باختصار عالم الطمس هو سير القطار بلا رجعة والله غني عن العالمين، وفي عالم الطمس لن يفلحوا أبدا حتى ولو رفعوا أعلامهم على القمر وعلى جميع صناديق النقد الدولية. عالم الطمس كلما ازداد أصحابه تقدما تأخروا لأنهم يسيرون عكس اتجاه الفطرة ونحو المسيح الدجال، وتحت أقدامه يقفون يشكون الفقر والحاجة فيغذي أهواءهم. إن مربع الشمس يعيش داخل مربع الضلالة.
فالضلالة هي التي تغذي قافلة الطمس. ومن كان غذاؤه من الضلالة فلا أمل في شفائه (قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا) (149) قال المفسرون:
من كان في الضلالة، تدل على استمرارهم في الضلالة، لا مجرد تحقيق ضلالة ما بذلك يتم التهديد بمجازاتهم بالإمداد بما منه ضلالته، كالزخارف الدنيوية.
فينصرف عن الحق حتى يأتيه أمر الله من عذاب أو ساعة فيظهر له الحق عند ذلك. ولن ينتفع به. قال تعالى: (حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا) (150) وهذا دليل على أن هذا المد خذلان في صورة إكرام. والمراد به أن ينصرف عن الحق بالاشتغال بزهرة الحياة. فلا يظهر له الحق إلا في وقت لا ينتفع به. كما قال تعالى: (فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده) (151) وقال:
(يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت

(147) الميزان: 370 / 4.
(148) ابن كثير 208 / 1.
(149) سورة مريم، الآية: 75.
(150) سورة مريم، الآية: 75.
(151) سورة غافر، الآية: 85.
(٣٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 304 305 306 307 308 309 310 311 313 315 316 ... » »»
الفهرست