الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٣٠٢
ألم) فالمعنى: ولما كان القول بالتثليث ليس في وسع عقول العامة أن تتعقله، فأغلب النصارى، يتلقونه قولا مذهبيا مسلما بلفظه من غير أن يعقلوا معناه. ولا أن يطمعوا في تعلقه. وبما أنه ليس في وسع العقل السليم أن يعقله عقلا صحيحا.
كان هناك من النصارى من لا يقول بالتثليث. ولا يعتقد في المسيح إلا أنه عبد الله ورسوله. كما كانت على ذلك مسيحيوا الحبشة وغيرها وعلى ما يضبطه التاريخ فقوله: (ليمسن الذين كفروا منهم) أي لئن لم ينته النصارى عما يقولون - نسبه قول بعض الجماعة إلى جميعهم - ليمسن الذين كفروا منهم - وهم القائلون بالتثليث منهم - عذاب أليم. (أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم) تخصيص على التوبة والاستغفار. وتذكير بمغفرة الله ورحمته. أو إنكار. أو توبيخ.
لقد توجهت آيات القرآن إلى الكتاب تدعوهم إلى الإيمان قبل أن يطمس الله وجوههم ويسيروا وقد ختم الله على قلوبهم نحو الدجال. لا ينفعهم إيمان إذا جاء بأس الله. ولا يأذن الله لناصر ينصرهم بالهداية. قال تعالى: (يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون) (127) قال المفسرون: وأنتم تشهدون. الشهادة هي الحضور والعلم عن حس. دلالة على أن المراد بكفرهم بآيات الله: إنكارهم كون النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو النبي الموعود الذي بشربه في التوراة والإنجيل. مع مشاهدتهم انطباق الآيات والعلائم المذكورة فيهما عليه (128). وقال تعالى: (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم) (129) قال المفسرون: كانوا يخفون آيات النبوة وبشارتها. وكانوا يخفون حكم الرجم. وأما عفوه عن كثير، فهو تركه كثيرا مما كانوا يخفونه من الكتاب. ويشهد بذلك الاختلاف الموجود في

(127) سورة آل عمران، الآية: 70.
(128) الميزان: 256 / 3.
(129) سورة المائدة، الآيتان: 15 - 16.
(٣٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 297 298 299 300 301 302 303 304 305 306 307 ... » »»
الفهرست