الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٣٠٨
لأن وصفهم على إبهامه، يقبل الانطباق على كل واحد من القوم، فلا يأمن أحدهم أن يمسه هذا العذاب. وفي قوله تعالى: (أو نلعنهم) حيث أرجع فيه ضمير (هم) الموضوع الأولي العقل إلى قوله: (وجوها) كما هو الظاهر تلويحا أو تصريحا. بأن المراد بالوجوه. الأشخاص من حيث استقبالهم مقاصدهم وبذلك يضعف احتمال أن يكون المراد بطمس الوجوه وودها على أدبار تحويل وجوه الأبدان إلى الأقفية كما قال به البعض ويقوي ذلك احتمال أن المراد من تحويل الوجوه إلى الأدبار تحويل النفوس من حال استقامة الفكر وإدراك الواقعيات على واقعيتها إلى حال الاعوجاج والانحطاط الفكري. بحيث لا يشاهد حقا إلا أعراض عنه واشمأز منه ولا باطلا إلا مال إليه وتولع به. هذا نوع من التصرف الإلهي. مقتا ونقمة. نظير ما يدل عليه قوله تعالى: (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لو يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون) (144).
فتبين مما مر أن المراد بطمس الوجوه في الآية نوع تصرف إلهي في النفوس، يوجب تغيير طباعها من مطاوعة الحق وتجنب الباطل، إلى اتباع الباطل والاحتراز عن الحق في باب الإيمان بالله وآياته كما يؤيده صدر الآية: (آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم..).. ومن الممكن أن يقال: إن المراد به تقليب أفئدتهم، وطمس وجوه باطنهم من الحق إلى نحو الباطل فلا يفلحون بالإيمان بالله وآياته. ثم إن الدين الحق. لما كان هو الصراط المستقيم. الذي لا ينجح إنسان في سعادة حياته الدنيا إلا بركوبه والاستواء عليه. وليس للناكب عنه إلا الوقوع في كانون الفساد. والسقوط في مهابط الهلاك، كما قال تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا) (145) وقال تعالى: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم) (146) ولازم هذه الحقيقة، أن طمس الوجوه

(144) سورة الأنعام، الآية: 110.
(145) سورة الروم، الآية: 41.
(146) سورة الأعراف، الآية: 96.
(٣٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 303 304 305 306 307 308 309 310 311 313 315 ... » »»
الفهرست