الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٣٠٧
ورسوله وأفسدوا صالح دينهم. ابتلوا بلعن من الله لحق جمعهم وسلبهم التوفيق الإيمان إلا قليلا. فعم الخطاب لجميع أهل الكتاب على ما يفيد قوله: (يا أيها الذين أوتوا الكتاب) ودعاهم الله إلى الإيمان بالكتاب الذي نزله مصدقا لما معهم. وأوعدهم بالسخط الذي يلحقهم. لو تمردوا واستكبروا. من طمس أو لعن يتبعانهم اتباعا لا ريب فيه. وطمس الوجوه. محو هذه الوجوه التي يتوجه بها البشر نحو مقاصدهم الحيوية. مما فيه سعادة الإنسان المرتقبة والمرجوة. وهذا المحو ليس هو الذي يوجب فناء الوجوه وزوالها. بل محو يوجب ارتداد تلك الوجوه على أدبارها. فإذا كانت الوجوه تقتصد مقاصدها على الفطرة التي فطر الله الناس عليها. فإن كانت الوجوه المطموسة لا تقصد إلا خلفته وراءها ولا تمشي إليه إلا القهقرى. وهذا الإنسان الذي يسير في غير اتجاه الفطرة. كلما توجه إلى ما يراه خيرا لنفسه وصلاحا لدينه أو لدنياه. لم ينل إلا شرا وفسادا. وكلما بالغ في التقدم زاد في التأخر وليس يفلح أبدا (143).
أما قوله تعالى: (أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت) فآيات أصحاب السبت هي التي تخبر عن مسخهم قردة وقد ألقينا عليهم بعض الضوء عند حديثنا عن القرية التي أصبحت أمام أمر الله ثلاث فرق. وقال المفسرون: " أو " في قوله: (أو نلعنهم) على ظاهرها من إفادة الترديد. والفرق بين عيدين:
أن الأول الذي هو الطمس، يوجب تغيير مقاصد المغضوب عليهم من غير تغيير الخلقة إلا في بعض كيفياتها. والثاني الذي هو اللعن كلعن أصحاب السبت.
يوجب تغيير المقصد. بغيير الخلقة الإنسانية إلى خلقة حيوانية كالقردة. فهؤلاء إن تمردوا عن امتثال ولم يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كان لهم إحدى سخطتين: إما طمس الوجوه. وإما اللعن. ولكن الآية تدل على أن السخطة لا تعمهم جميعا حيث قال تعالى: (وجوها) فأتى بالجمع المنكر.
ولو كان المراد الجميع لم ينكر. ولتنكير الوجوه وعدم تعيينها نكتة هي أن المقام لما كان مقام الإبعاد والتهديد، وهو إبعاد للجماعة بشر، لا يلحق إلا ببعضهم.
كان إبهام الأفراد الذين يقع عليهم السخط الإلهي أوقع في الإنذار والتخويف،

(143) الميزان: 367 / 4.
(٣٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 302 303 304 305 306 307 308 309 310 311 313 ... » »»
الفهرست