الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ١٤٧
أن القوم لن يصلوا إليه، ولن يقدروا أن يصيبوا منه ما يريدون، وأنهم جاؤوا للقوم بالعذاب الذي لا شك فيه، وروي أن جبرائيل قال يا لوط دعهم يدخلون. فلما دخلوا أهوى جبرائيل بإصبعه نحوهم فذهبت أعينهم (80) وفي رواية أن جبرائيل أخذ كفا من بطحاء فضرب بها وجوههم وقال: شاهت الوجوه. فعمي أهل المدينة كلهم (81) وقال تعالى: (ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم) (82) وروي أنه بعد أن طمست عيونهم رجعوا على أدبارهم يتحسسون بالحيطان ويتوعدون لوطا عليه السلام بالصباح (83) ولم يكن يعلمون أن الصباح عليهم عذاب لا محيص لهم عنه ولا انفكاك لهم منه.
وبينما كان القوم يتخبطون في الظلام يسيرون بجانب الجدران يتصايحون مطالبين بالانتقام. كان لوط عليه السلام يأخذ تعليمات النجاة من الملائكة (فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب) (84) فالقول دستور من الملائكة للوط عليه السلام، إرشادا له إلى النجاة من العذاب النازل بالقوم صبيحة ليلتهم هذه، وفيه معنى الاستعجال كما يشعر به قوله. (إن موعدهم الصبح) والمعنى: انج بنفسك وأهلك وسيروا أنت وأهلك بقطع من هذا الليل واخرجوا من ديارهم فإنهم هالكون بعذاب الصبيحة ليلتهم هذه. ولا كثير وقت بينك وبين الصبح ولا ينظر أحدكم إلى الوراء وقوله: (إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم) ظاهر السياق أنه استثناء من قوله: (أهلك) لا من قوله (أحد) وفي قوله: (إنه مصيبها ما أصابهم) بيان السبب لاستثنائها (85) وقال تعالى في غير موضع: (إلا امرأتك قدرنا إنها لمن الغابرين) (86) وبدأ لوط عليه السلام يستعد للخروج من القرية الظالمة التي قدر الله ضربها وموعد هلاكها الصبح،

(80) الميزان: 82 / 19.
(81) الميزان: 346 / 10.
(82) سورة القمر، الآية: 37.
(83) البغوي: 138 / 8.
(84) سورة هود، الآية: 81.
(85) الميزان: 343 / 10.
(86) سورة الحجر، الآية: 60.
(١٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 ... » »»
الفهرست