والبنود، وجر العساكر والمقانب (جمع مقنب، هي الجماعة من الخيل دون المائة تجتمع للغارة)، وترتيب المراتب والمناصب، فلينظر ذو الرأي إلى حكم الوقت، فإذا كانت أكناف خطة الإسلام إلى الاستقامة، والممالك منتفضة عن ذوي العرامة، ولكن إذا ثارت بدع وأهواء، واضطربت مذاهب ومطالب وآراء، والحاجة إلى من يسوس الأمور الدينية أمس، فالأعلم أولى.
وإن تصورت على الضد، مما ذكرنا، ومست الحاجة إلى شهامة وصرامة، وبطاش، يحمل الناس على الطاعة ولا يحاش، فالأشهم أولى بأن يقدم (9).
ويذهب ابن أبي الحديد (586 - 656 ه) إلى أن أحق الناس بالإمامة أقواهم عليها، وأعملهم بحكم الله فيها، وهذا لا ينافي في مذهب أصحابنا البغداديين من المعتزلة في صحة إمامة المفضول، لأنه ما قال: إن إمامة غير الأقوى فاسدة، ولكنه قال: إن الأقوى أحق، وأصحابنا لا ينكرون أنه - أي الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام أحق ممن تقدمه بالإمامة، مع قولهم بصحة إمامة المتقدمين، لأنه لا منافاة بين كونه أحق، وبين صحة إمامة غيره (2).
ثم إن رأي ابن أبي الحديد هذا، إنما هو ترديد لقول سيدنا الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - أيها الناس: إن أحق الناس بهذا الأمر، أقواهم عليه، وأعلمهم بأمر الله فيه، فإن شغب شاغب استعتب، فإن أبى قوتل (3).