ومن ثم فقد صار طوائف من أئمتنا إلى تجويز عقد الإمامة للمفضول، مع التمكن من العقد للأفضل الأصلح، واعتلوا بأن المفضول، إذا كان مستجمعا " للشرائط المرعية، فاختصاص الفاضل بالمزايا، اتصاف بما لا تفتقر الإمامة إليه، فإذا عقدت الإمامة لمن ليس عاريا " عن الخلال المعتبرة، استقلت بالصفات التي لا غنى عنها، ولا مندوحة، وليس للفضائل نهاية وغاية.
هذا وقد ذهب معظم المنتمين إلى الأصول من جلة الأئمة، إلى أن الإمامة لا تنعقد للمفضول، مع إمكان العقد للفاضل، ثم تحزب هؤلاء حزبين، وتصدعوا صدعين، فذهب فريق إلى أن المسألة من المظنونات التي لا تتطرق إليها أساليب العقول، ولا قواطع الشرع المنقول.
ثم يرى أنه لا خلاف، إذا عسر عقد الإمامة للفاضل، واقتضت مصلحة المسلمين تقديم المفضول، وذلك لصغو الناس، وميل أولي النجدة والبأس إليه، ولو فرض تقديم الفاضل لاشرأبت الفتن، وثارت المحن، ولم نجد عددا "، وتفرقت الأجناد بددا "، فإذا كانت الحاجة في مقتضى الإيالة تقتضي تقديم المفضول قدم لا محالة، إذ الغرض من نصب الإمام استصلاح الأمة، فإذا كان في تقديم الفاضل اختباطها وفسادها، وفي تقدم المفضول ارتباطها وسدادها تعين إيثار ما فيه من صلاح الخليفة، باتفاق أهل الحقيقة، ولا خلاف أنه لو قدم فاضل، واتسقت له الطاعة، ونشأ في الزمن من هو أفضل منه، فلا يتبع عقد الإمامة للأول بالقطع والرفع.
ثم يعود الجويني - في نهاية الفصل - فيكرر قوله: بأن الأفضل هو الأصلح، فلو فرضنا مستجمعا " للشراط، بالغا " في الورع الغاية القصوى، وقدمنا آخر أكفأ منه، وأهدى إلى طرق السياسة والرياسة، وإن لم يكن في الورع مثله، فالأكفأ أولى بالتقدم.
ولو كان أحدهما أفقه، والثاني أعرف بتجنيد الجنود، وعقد الألوية